وأمّا مقدمة الصحة : وهي التي تتوقف صحة الواجب عليها ، فهي تعود إلى المقدمة الخارجية بالمعنى الأعم ، وهي التي خارجة عن المأمور به قيداً وداخلة فيه تقيداً . فالنتيجة : أ نّه لا بأس بهذا التقسيم . نعم ، لا وقع لتقسيمها ثالثاً إلى الشرعية والعقلية والعادية ، وذلك لأنّ الاُولى بعينها هي المقدمة الخارجية بالمعنى الأعم وليست مقدمة اُخرى في مقابلها . والثانية هي المقدمة الخارجية بالمعنى الأخص . وأمّا الثالثة ، فإن اُريد منها ما جرت العادة على الاتيان بها من دون توقف الواجب عليها خارجاً فلا شبهة في خروجها عن مورد النزاع ، وإن اُريد منها ما يستحيل وجود الواجب في الخارج بدونها عادة وإن لم يستحل عقلاً ، وذلك كالكون على السطح مثلاً حيث إنّه بلا طيّ المسافة محال عقلي لاستحالة الطفرة ، ولكنّه بلا نصب السلّم محال عادي ، ضرورة إمكان الطيران ذاتاً . وبكلمة اُخرى : تارة يكون الشيء ممتنعاً ذاتاً كاجتماع النقيضين ، ووجود الممكن بلا علة وما شاكل ذلك . واُخرى يكون ممتنعاً وقوعاً وإن كان في ذاته ممكناً ، وذلك ككون الانسان على السطح بدون طي المسافة ، فانّه ممتنع عقلاً حيث يلزم من فرض وقوعه في الخارج محال ـ وهو الطفرة ـ وثالثة لا هذا ولا ذاك ، بل هو ممتنع عادة ككونه على السطح بلا نصب السلّم حيث لا يلزم من
ــ[124]ــ
فرض وقوع الطيران أو القوة الخارقة للعادة له محال ، لعدم استحالتهما . وإنّما يستحيل بلا نصب السلّم بالقياس إلى عادم الجناح وعادم القوّة الخارقة. فالنتيجة : أنّ المقدمة في الحقيقة هي الجامعة بين الطيران ونصب السلّم ، وحيث إنّ الفرد الأوّل غير متحقق انحصر الجامع في الفرد الأخير وهو نصب السلّم ، فإذن ترجع المقدمة العادية على ضوء هذا التفسير إلى المقدمة العقلية ، فلا معنى لذكرها في قبالها . إلى هنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة : وهي أنّ الصحيح من هذه التقسيمات للمقدمة هو التقسيم الأوّل والثاني ، ولا وقع للتقسيم الثالث .
|