[ تردّد القيد بين رجوعه إلى المادّة أو الهيئة ]
ثمّ إنّه نسب إلى شيخنا الأنصاري (قدس سره) في تقريراته (1) مسألة ما إذا تردد أمر القيد بين رجوعه إلى الهيئة ورجوعه إلى المادة ، واستظهاره (قدس سره) رجوعه إلى المادة دون الهيئة . ولكن غير خفي أنّ هذا الكلام منه (قدس سره) يرتكز على أحد أمرين : إمّا على التنزل عما أفاده (قدس سره) من استحالة رجوع القيد إلى الهيئة، إذ مع الاستحالة لا تصل النوبة إلى التردد والاستظهار. وإمّا على كون الوجوب مستفاداً من جملة اسمية ، وعلى هذا الفرض ، فان علم من الخارج أنّ القيد راجع إلى المادة دون الهيئة وجب تحصيله ، لفرض فعلية وجوب المقيد ، وإذا علم أ نّه راجع إلى الهيئة دون المادة لم يجب تحصيله ، لفرض عدم فعلية وجوبه ، بل تتوقف فعليته على حصول القيد . وإن لم يعلم ذلك وتردد أمره بين رجوعه إلى المادة ليكون الوجوب فعلياً ، ورجوعه إلى الهيئة حتّى لا يكون فعلياً فهو مورد للنزاع والكلام . وبعد ذلك نقول : الكلام هنا يقع في مقامين : الأوّل : في مقتضى الاُصول اللفظية . الثاني : في مقتضى الاُصول العملية .
ـــــــــــــــــــــ (1) مطارح الأنظار : 49 .
ــ[155]ــ
أمّا المقام الأوّل(1): فقد ذكر الشيخ (قدس سره) في مبحث التعادل والترجيح(2)أ نّه إذا دار الأمر بين العام الشمولي والاطلاق البدلي قدّم العام الشمولي على الاطلاق البدلي ، وأفاد في وجه ذلك : أنّ دلالة العام على العموم تنجيزية فلا تتوقف على أيّة مقدمة خارجية، وهذا بخلاف دلالة المطلق على الاطلاق فانّها تتوقف على تمامية مقدمات الحكمة ومنها عدم البيان على خلافه ، ومن الطبيعي أنّ عموم العام يصلح أن يكون بياناً على ذلك ، ومعه لا تتم المقدمات . وعلى الجملة : فالمقتضي في طرف العام تام وهو وضعه للدلالة على العموم ، وإنّما الكلام في وجود المانع عنه ، والمفروض عدمه . وأمّا في طرف المطلق فالمقتضي غير تام ، فان تماميته تتوقف على تمامية مقدمات الحكمة وهي لا تتم هنا ، فان من جملتها عدم البيان على خلافه والعام بيان . وهذا الذي أفاده (قدس سره) وإن كان متيناً جداً ، إلاّ ا نّه خارج عن محل الكلام ، فان محل الكلام إنّما هو فيما إذا كان كل من الاطلاق البدلي والعموم الشمولي مستنداً إلى الاطلاق ومقدمات الحكمة ، وفي مثل ذلك إذا دار الأمر بينهما هل هنا مرجّح لتقديم الاطلاق الشمولي على البدلي في مورد التعارض والاجتماع؟ فيه وجهان، بل قولان: فذهب الشيخ (قدس سره) إلى الأوّل واستدلّ عليه بوجهين : الوجه الأوّل : أنّ مفاد الهيئة إطلاق شمولي ، فان معناه ثبوت الوجوب على كل تقدير ـ أي تقديري حصول القيد وعدم حصوله ـ ومفاد المادة إطلاق بدلي ، فانّ معناه طلب فرد ما من الطبيعة التي تعلّق بها الوجوب على سبيل
ـــــــــــــــــــــ (1) [ لم يُذكر فيما يأتي المقام الثاني ] . (2) فرائد الاُصول 2 : 792 .
ــ[157]ــ
البدل ، وعلى ضوء هذا ، فإذا دار الأمر بين تقييد إطلاق الهيئة وتقييد إطلاق المادة تعيّن الثاني ، وذلك لأنّ رفع اليد عن الاطلاق البدلي أولى من رفع اليد عن الاطلاق الشمولي . وغير خفي أنّ هذا الوجه ينحل إلى دعويين: الاُولى: دعوى كبروية وهي تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي . الثانية : دعوى أنّ مسألتنا هذه من صغريات تلك الكبرى الكلية .
|