ثمّ إنّه قد يتوهّم أنّ هنا قسماً آخر من الواجب لا يكون نفسياً ولا غيرياً ، وذلك كالمقدمات المفوّتة مثل غسل الجنب ليلاً لصوم غد ، وركوب الدابة ونحوه للاتيان بالحج في وقته ، بناءً على استحالة الواجب التعليقي . أمّا أ نّه ليس بواجب غيري، فلأنّ الواجب الغيري على مسلك المشهور ما كان وجوبه معلولاً لوجوب واجب نفسي ومترشحاً منه ، فلا يعقل وجوبه قبل إيجابه ، وأمّا أ نّه ليس بواجب نفسي فلأنّ الواجب النفسي ما يستوجب تركه العقاب ، والمفروض أنّ ترك هذا الواجب لايستوجب العقاب عليه ، وإنّما يستحق المكلف على ترك ذي المقدمة . وأمّا بناءً على ما هو الصحيح ـ من أنّ وجوب المقدمة إنّما نشأ من ملاك الواجب النفسي لا من وجوبه نفسه ـ فانّه واجب غيري ، وذلك لأنّ ما هو
ــ[220]ــ
المشهور من أنّ وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها ومترشح منه خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلاً ، بداهة أنّ وجوبها على القول به كوجوب ذيها فعل اختياري للمولى وصادر منه بالارادة والاختيار ، فلا معنى لكونه معلولاً ومترشحاً منه، فانّه واجب غيري، فانّ المولى الملتفت إذا توجه إلى شيء ورأى فيه مصلحة ملزمة فبطبيعة الحال اشتاق إليه ، فعندئذ لو كانت له مقدمة بحيث لا يمكن الاتيان به في ظرفه بدون الاتيان بها، فلا محالة اشتاق إليها بتبع اشتياقه إلى ذيها ، فهذا الشوق الناشئ من وجود الملاك الملزم الكامن في ذيها هو المنشأ لوجوبها الغيري . هذا كلّه فيما إذا علم أ نّه واجب نفسي أو غيري .
|