ــ[252]ــ
[ وجوب المقدّمة الموصلة ]
وأمّا القول الثالث : وهو قول صاحب الفصول (قدس سره) (1) من أنّ الواجب هو حصة خاصة من المقدمة وهي الحصة الموصلة ، أي الواقعة في سلسلة علة وجود ذيها دون غيرها من الحصص ، فقد نوقش فيه بعدّة مناقشات : الاُولى : ما عن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (2) من أنّ تخصيص الوجوب بخصوص هذه الحصة يستلزم أحد محذورين : إمّا الدور أو التسلسل ، وكلاهما محال . أمّا الأوّل : فلأنّ مردّ هذا القول إلى كون الواجب النفسي مقدمة للمقدمة ، لفرض أنّ ترتب وجوده عليها قد اعتبر قيداً لها ، وعلى هذا يلزم كون وجوب الواجب النفسي ناشئاً من وجوب المقدمة وهو يستلزم الدور ، فان وجوب المقدمة على الفرض إنّما نشأ من وجوب ذي المقدمة ، فلو نشأ وجوبه من وجوبها لدار . وأمّا الثاني : فلأنّ الواجب لو كان خصوص المقدمة الموصلة فبطبيعة الحال كانت ذات المقدمة من مقدمات تحققها في الخارج ، نظراً إلى أنّ ذاتها مقوّمة لها ومقدّمة لوجودها ، فعندئذ إن كان الواجب هو ذات المقدمة على الاطلاق لزم خلاف ما التزم به (قدس سره) من اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة ، وإن كان هو الذات المقيدة بالايصال إليها ننقل الكلام إلى
ـــــــــــــــــــــ (1) الفصول الغرويّة : 86 ، التنبيه الأوّل . (2) أجود التقريرات 1 : 344 .
ــ[253]ــ
ذات هذا المقيد بالايصال وهكذا فيذهب إلى ما لا نهاية له . فالنتيجة : أ نّه لا يمكن القول بأنّ الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة . ولنأخذ بالمناقشة على ما أفاده (قدس سره) : أمّا الدور فيرد عليه : أنّ الوجوب النفسي المتعلق بذي المقدمة غير ناش من وجوب المقدمة كي يتوقف اتصافه به على وجوبها . نعم ، الواجب النفسي على هذا بما أ نّه مقدمة للواجب الغيري بما هو كذلك ، فبطبيعة الحال يعرض عليه الوجوب الغيري على نحو الترتب الطبعي ، بمعنى أنّ الواجب أوّلاً هو ذو المقدمة بوجوب نفسي ، ثمّ مقدمته بوجوب غيري ، ثمّ أيضاً ذو المقدمة لكن بوجوب غيري ، وعليه فلا يلزم الدور من اختصاص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة ، وإنّما يلزم اجتماع الوجوب النفسي والغيري في شيء واحد ـ وهو ذو المقدمة ـ وهذا ممّا لا محذور فيه أصلاً ، حيث إنّ مردّه إلى اندكاك أحدهما في الآخر وصيرورتهما حكماً واحداً آكد . وأمّا التسلسل فيرد عليه : أنّ ذات المقيد وإن كانت مقوّمة له ، إلاّ أنّ نسبته إليه ليست نسبة المقدمة إلى ذيها لننقل الكلام إليه ونقول إنّها واجبة مطلقاً أو مقيدة بالايصال ، وحيث إنّ الأوّل خلاف الفرض فالثاني يستلزم الذهاب إلى ما لا نهاية له ، بل نسبته إليه نسبة الجزء إلى المركب ، إذ على هذا القول المقدمة تكون مركبة من جزأين : أحدهما : ذات المقيد . والآخر : تقيدها بقيد وهو وجود الواجب في الخارج ، كما هو الحال في كل واجب مقيد بقيد سواء أكان وجوبه نفسياً أم كان غيرياً ، وعلى هذا فلا يبقى موضوع للقول بأنّ ذات المقيد هل هي واجبة مطلقاً أو مقيدة بالايصال ، هذا كلّه على تقدير تسليم كون الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري . والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الالتزام بوجوب المقدمة الموصلة لا
ــ[254]ــ
يستدعي اعتبار الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري أصلاً ، والسبب في ذلك : هو أنّ الغرض من التقييد بالايصال إنّما هو الاشارة إلى أنّ الواجب إنّما هو حصة خاصة من المقدمة ، وهي الحصة الواقعة في سلسلة العلة التامة لوجود الواجب النفسي ، دون مطلق المقدمة . وبكلمة اُخرى : أنّ المقدمات الواقعة في الخارج على نحوين : أحدهما : ما كان وجوده في الخارج ملازماً لوجود الواجب فيه ، وهو ما يقع في سلسلة علة وجوده . وثانيهما : ما كان وجوده مفارقاً لوجوده فيه ـ وهو ما لا يقع في سلسلتها ـ فالقائل بوجوب المقدمة الموصلة إنّما يدعي وجوب خصوص القسم الأوّل منهما دون القسم الثاني ، وعليه فلا يلزم من الالتزام بهذا القول كون الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري ، فإذن لا موضوع لاشكال الدور أو التسلسل أصلاً ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أنّ قضية الارتكاز والوجدان تقتضي وجوب خصوص هذا القسم الملازم لوجود الواجب في الخارج ، بداهة أنّ من اشتاق إلى شراء اللحم مثلاً فلا محالة يحصل له الشوق إلى صرف مال واقع في سلسلة مبادئ وجوده لا مطلقاً ، ولذا لو فرض أنّ عبده صرف المال في جهة اُخرى لا في طريق امتثال أمره بشراء اللحم لم يعدّ ممتثلاً للأمر الغيري ، بل يعاقبه على صرف المال في تلك الجهة ، إلاّ إذا كان معتقداً بأنّ صرفه في هذا الطريق يؤدي إلى امتثال الواجب في الخارج ولكنّه في الواقع غير مؤد إليه . فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أ نّه على القول بوجوب المقدمة لا مناص من الالتزام بهذا القول .
|