ــ[277]ــ
مقتضى الأصل في المسألة
والبحث فيه يقع في مقامين: الأوّل: في مقتضى الأصل العملي. الثاني: في مقتضى الأصل اللفظي. أمّا المقام الأوّل : فقد أفاد المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) أ نّه لا أصل في المسألة الاُصولية يعيّن الملازمة عند الشك في ثبوتها أو عدمها ، والسبب فيه ما ذكرناه من أنّ هذه الملازمات وإن لم تكن من سنخ الموجودات الخارجية من الأعراض والجواهر ، إلاّ أ نّها اُمور واقعية أزلية كاستحالة اجتماع النقيضين والضدين والدور والتسلسل وما شاكل ذلك ، حيث إنّها لم تكن محدودة بحد خاص ، بل هي اُمور أزلية ولها واقع موضوعي . وعلى هذا الضوء فان كانت الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ثابتة فهي من الأزل ، وإن لم تكن ثابتة فكذلك ، ومن الطبيعي أنّ ذلك لن يدع مجالاً للأصل في المقام . وأمّا في المسألة الفرعية فقد أفاد (قدس سره) أ نّه لا مانع من الرجوع إلى اصالة عدم وجوب المقدمة بتقريب أ نّها قبل إيجاب الشارع الصلاة مثلاً لم تكن واجبة لفرض عدم وجوب ذيها ، وبعد إيجابها شكّ في وجوبها ، ومعه لا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة عنه . ولنأخذ بالنظر إلى ما أفاده (قدس سره) . أمّا ما أفاده بالاضافة إلى المسألة الاُصولية من أ نّه لا أصل فيها ، فمتين جداً ولا مناص عنه كما عرفت . وأمّا ما أفاده بالاضافة إلى المسألة الفرعية من وجود الأصل فيها فانّه قابل
ــ[278]ــ
للمؤاخذة، وذلك لأنّ الأصل فيها لايخلو من أن يكون البراءة أو الاستصحاب . والاُولى : لا تجري بكلا قسميها : أمّا العقلية ، فلأ نّها واردة لنفي المؤاخذة والعقاب ، والمفروض أ نّه لا عقاب على ترك المقدمة وإن قلنا بوجوبها، والعقاب إنّما هو على ترك الواجب النفسي. وأمّا الشرعية، فبما أ نّها وردت مورد الامتنان فيختص موردها بما إذا كانت فيه كلفة على المكلف ليكون في رفعها بها امتناناً ، والمفروض أ نّه لا كلفة في وجوب المقدمة حيث لا عقاب على تركها . على أنّ العقل يستقل بلزوم الاتيان بها لتوقف الواجب عليها ، سواء أقلنا بوجوبها أم لم نقل ، فإذن أيّ أثر ومنّة في رفع الوجوب عنها بعد لا بدّية الاتيان بها على كل تقدير . والثاني ـ وهو الاستصحاب ـ فأيضاً لايجري ، لأنّ موضوعه وإن كان تاماً، إلاّ أ نّه لا أثر له بعد استقلال العقل بلزوم الاتيان بها . وعلى الجملة : فلا يترتب أيّ أثر على استصحاب عدم وجوبها بعد لا بدّية الاتيان بها على كل تقدير ، ومعه لا معنى لجريانه . نعم ، لا مانع من الرجوع إلى الأصل من ناحية اُخرى ، وهي ما ذكرناه سابقاً من الثمرة فيما إذا كانت المقدمة محرّمة وقد توقف عليها واجب أهم ، فعندئذ لا بدّ من ملاحظة دليل حرمة المقدمة ، فان كان لدليلها إطلاق أو عموم ، لزم التمسك به في غير مقدار الضرورة ـ وهو خصوص المقدمة الموصلة ـ وإن شئت قلت : إنّ القدر المتيقن هو رفع اليد عن تحريم خصوص تلك المقدمة ، وأمّا غيرها ، فان كان إطلاق في البين فلا مناص من التمسك به لاثبات حرمتها ، لعدم ضرورة تقتضي رفع اليد عنها ، وإن لم يكن إطلاق فالمرجع هو أصل البراءة عن حرمة المقدمة غير الموصلة للشك فيها وعدم دليل عليها . فالنتيجة هي سقوط الحرمة عن المقدمة مطلقاً ، سواء أكانت موصلة أم لم تكن ، أمّا عن
ــ[279]ــ
الاُولى فمن ناحية المزاحمة ، وأمّا عن الثانية فمن ناحية أصالة البراءة . هذا على القول بوجوب مطلق المقدمة، وأمّا على القول بوجوب خصوص الموصلة ، أو خصوص ما قصد به التوصل ، فالساقط إنّما هو الحرمة عنه فحسب دون غيره كما سبق .
|