ــ[290]ــ
[ الضدّ الخاص ]
أمّا الكلام في المقام الأوّل : فقد استدلّ جماعة على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه ، سواء أكان المراد به أحد الأضداد الخاصة أو الجامع بينها بوجهين : الأوّل : أنّ ترك أحد الضدين مقدمة للضد الآخر ، ومقدمة الواجب واجبة ، فإذا كان الترك واجباً فالفعل لا محالة يكون محرّماً ، وهذا معنى النهي عنه . أقول : هذا الدليل مركب من مقدمتين : إحداهما صغرى القياس . والثانية كبراه ، فلا بدّ من درس كل واحدة منهما . أمّا المقدمة الاُولى فبيـانها : أنّ العلّـة التامّة مركّبة من أجزاء ثلاثـة : 1 ـ المقتضي وهو الذي بذاته يقتضي التأثير في مقتضاه . 2 ـ الشرط وهو الذي يصحح فاعلية المقتضي . 3 ـ عدم المانع وهو الذي له دخل في فعلية تأثير المقتضي . ومن الواضح أنّ العلة التامة لا تتحقق بدون شيء من هذه المواد الثلاث ، فبانتفاء واحدة منها تنتفي العلة التامة لا محالة . ونتيجة ذلك : هي أنّ عدم المانع من المقدمات التي لها دخل في وجود المعلول ، ويستحيل تحققه بدون انتفائه . ويترتب على ذلك أنّ ترك أحد الضدين مقدمة لوجود الضدّ الآخر ، لأنّ كلاً منهما مانع عن الآخر ، وإلاّ لم يكن بينهما تمانع وتضاد ، فإذا كان كل منهما مانعاً عن الآخر فلا محالة يكون عدمه مقدمة له ، إذ كون عدم المانع من المقدمات ممّا لا يحتاج إلى مؤونة بيان ، وإقامة برهان .
ــ[291]ــ
وأمّا المقدمة الثانية : فهي أنّ مقدمة الواجب واجبة، وقد تقدّم الكلام فيها. فالنتيجة من ضمّ المقدمة الاُولى إلى هذه المقدمة هي : أنّ ترك الضد بما أ نّه مقدمة للضد الواجب ـ كما هو المفروض في المقام ـ يكون واجباً ، وإذا كان تركه واجباً ففعله حرام لا محالة ، مثلاً ترك الصلاة بما أ نّه مقدمة للازالة الواجبة فيكون واجباً ، وإذا كان واجباً ففعلها الذي هو ضدّ الازالة يكون حراماً ، وهذا معنى أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد . ولكن كلتا المقدمتين قابلة للمناقشة :
|