الثاني: أنّ التزاحم كما ذكرناه في غير موضع إنّما يجري بين واجبين نفسيين كالصلاة والازالة مثلاً أو بين واجب وحرام، وأمّا بين أجزاء وشرائط واجب واحد فلا يعقل جريان التزاحم فيه.
ــ[31]ــ
والوجه في ذلك: هو أنّ جميع تلك الأجزاء والشرائط واجب بوجوب واحد على سبيل الارتباط ثبوتاً وسقوطاً، غاية الأمر أنّ الأجزاء بنفسها متعلقة لذلك الوجوب، والشرائط باعتبار تقيدها بمعنى أنّ الوجوب تعلق بالأجزاء متقيدة بتلك الشرائط، ومن الواضح جداً أنّ ذلك الوجوب الواحد يسقط بتعذر واحد من تلك الأجزاء أو الشرائط بقانون أنّ الأمر بالمركب يسقط لا محالة بتعذر واحد من أجزائه أو شرائطه، لاستحالة تعلق الوجوب به في ظرف تعذر أحد أجزائه أو قيوده، لأ نّه تكليف بالمحال فلا يصدر من الحكيم. وعلى هذا فمقتضى القاعـدة سقوط الوجوب عن المركب كالصلاة وما شاكلها عند تعذر جزء أو شرط منه، كما هو مقتضى كون أجزائه ارتباطية. فاذن ثبوت الوجوب للباقي يحتاج إلى دليل، وقد دلّ الدليل في خصوص باب الصلاة على عدم السقوط ووجوب الاتيان بالباقي، فعندئذ بما أنّ فيما نحن فيه قد تعذر أحد قيدي الصلاة ـ هما الطهارة الحدثية والطهارة الخبثية ـ فمقتضى القاعدة الأوّلية سقوط وجوبها، فيحتاج وجوب الباقي إلى دليل، والدليل موجود هنا، وهو ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال (1)، بل يكفينا لاثبات عدم سقوطها في المقام الروايات الخاصة الدالة على وجوب الاتيان بها في الثوب أو البدن المتنجس أو عارياً، وما دلّ على لزوم الاتيان بالطهارة الترابية مع تعذر الطهارة المائية. وعليه فيعلم إجمالاً بجعل أحد هذين الشرطين في الواقع دون الآخر. إذن لا محالة يقع التعارض بين دليليهما، إذ لم يعلم أنّ أ يّهما مجعول في هذا الحال في مقام الثبوت والواقع، فما دلّ على شرطية الطهارة الحدثية في هذا الحال لا محالة معارض بما دلّ على شرطية الطهارة الخبثية، وعليه فلا بدّ من ـــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 2: 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.
ــ[32]ــ
الرجوع إلى مرجحات باب التعارض إن لم يكن التعارض بينهما بالاطلاق، وإلاّ فيسقطان معاً، فلا تصل النوبة إلى الترجيح، فاذن ما معنى وقوع المزاحمة بينهما، بـداهة أنّ المزاحمة بين تكليف وتكليف آخر فرع ثبوتهما في الواقـع ومقام الجعل من دون أيّ تناف في البين لتقع المزاحمة بين امتثال هذا وامتثال ذاك. وعلى الجملة: فالأمر المتعلق بالصلاة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط قد سقط لا محالة بتعذر واحد من شرطيها ـ هما الطهارة الحدثية والطهارة الخبثية ـ بمقتضى القاعدة الأوّلية، غاية ما في الباب قد دلّ دليل من الخارج على وجوب الباقي من الأجزاء والشرائط، ومن الواضح جدّاً أنّ هذا الوجوب غير الوجوب الأوّلي المتعلق بالواجد والتمام، فانّه قد سقط من ناحية تعذر المركب، ومن المعلوم أنّ جزئية الأجزاء وشرطية الشرائط قد سقطتا بتبع سقوطه لا محالة، ضرورة استحالة بقاء الأمر الانتزاعي في ظرف سقوط منشئه. وعليه فالجزئية والشرطية للأجزاء والشرائط الباقيتين لا محالة مجعولتان بجعل ثانوي وبدليل خارجي دال على وجوب الباقي وعدم سقوطه، ويعلم من ذلك طبعاً أنّ المجعول في المقام شرطية أحد الأمرين في الواقع، إمّا شرطية الطهارة الحدثية، وإمّا شرطية الطهارة الخبثية، فشرطية كلتيهما غير معقولة لفرض عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما، فلا يمكن أن يتعلق الأمر بالمركب منهما، فلا محالة يكون المجعول شرطية إحداهما لا محالة، ونتيجة ذلك أنّ المورد غير داخل في كبرى التزاحم. وخلاصة ما ذكرناه: هي أنّ الكبرى المتقدمة وإن كانت مسلّمة، إلاّ أ نّها لا تنطبق على هذا الفرع وما يشبهه، بل قد عرفت أ نّه غير داخل في كبرى مسألة التزاحم فضلاً عن تلك الكبرى.
ــ[33]ــ
وأمّا المورد الثالث: وهو ما إذا دار الأمر بين إدراك تمام الركعات في الوقت مع الطهارة الترابية وإدراك ركعة واحدة مع الطهارة المائية، فيرد عليه بعينه ما أوردناه على المورد الثاني من الوجهين. أمّا أوّلاً: فلما عرفت من أ نّه كما أنّ للصلاة مع الطهارة المائية بدلاً وهو الصلاة مع الطهارة الترابية، فكذلك لادراك تمام الصلاة في الوقت بدل وهو إدراك ركعة واحدة منها في الوقت، فاذن لا تنطبق الكبرى المزبورة عليه. وأمّا ثانياً: فلما عرفت من أنّ التزاحم لا يجري بين أجزاء واجب واحد أو شرائطه، فاذا تعذر على المكلف الجمع بين الطهارة المائية والوقت، فمقتضى القاعدة الأوّلية سقوط الأمر بالصلاة، فلو كنّا نحن والحال هذه لم نقل بوجوب الباقي من الأجزاء والشرائط، ولكن الدليل الخارجي قد دلنا على وجوب الباقي وعدم سقوط الصلاة بحال. ومن ذلك يعلم إجمالاً بجعل جزئية أحدهما في الواقع، وحيث إنّه مردد بين الطهارة المائية والوقت فتقع المعارضة بين دليليهما. فالنتيجة أنّ هذا الفرع أيضاً ليس من صغريات الكبرى المتقدمة. وقد تحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما ذكره (قدس سره) من الفروع الثلاثة ليس شيء منها صغرى للكبرى التي ذكرها، وهي تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل ولا تنطبق تلك الكبرى على شيء منها. نعم، النتيجة في الفرع الأخير بعينها هي النتيجة التي ذكرها (قدس سره) وهي تقديم ما لا بدل له على ما له بدل، ولكن بملاك آخر، لا بالملاك الذي أفاده، بيان ذلك: هو أنّ الله تعالى جعل في كتابه العزيز للصلوات الخمس أوقاتاً خاصة بحسب المبدأ والمنتهى بقوله: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى
ــ[34]ــ
غَسَقِ اللَّيْلِ)(1) وقد ورد في الروايات أنّ وقت صلاتي الظهرين من دلوك الشمس إلى غروبها، ووقت العشاءين من الغروب إلى غسق الليل، ووقت صلاة الصبح من أوّل الفجر إلى طلوع الشمس (2)، فهذه هي أوقات الصلوات الخمس، ولا يرضى الشارع بتأخيرها عنها آناً ما، بل هي غير مشروعة فيما عدا تلك الأوقات، إلاّ فيما إذا قام دليل خاص على المشروعية كما في القضاء أو نحوه، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أ نّه تعالى قد جعل الطهارة من الحدث شرطاً مقوّماً لها بقوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ا لْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(3) فجعل في هذه الآية المباركة الطهارة من الحدث شرطاً للصلاة، وقد ذكرنا أ نّها من أركان الصلاة وبانتفائها تنتفي، ولذا ورد «أنّ الصلاة على ثلاثة أثلاث: ثلث منها الركوع وثلث منها السجود وثلث منها الطهور» (4). فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هي أنّ الطهارة شرط لتلك الصلوات التي عيّنت لها أوقات معيّنة، وأ نّه يجب على المكلف الاتيان بها في تلك الأوقات مع الطهارة المائية إن كان واجداً للماء، ومع الطهارة الترابية إن كان فاقداً لها، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ المراد من وجدان الماء وجوده الخاص، وهو ما إذا تمكن ـــــــــــــــــــــ (1) الإسراء 17: 78. (2) الوسائل 4: 156 / أبواب المواقيت ب 10. (3) المائدة 5: 6. (4) الوسائل 6: 310 / أبواب الركوع ب 9 ح 1.
ــ[35]ــ
المكلف من استعماله عقلاً وشرعاً، وذلك بقرينة داخلية وخارجية. أمّا القرينة الداخلية فهي ذكر المريض في الآية المباركة، فانّ الماء غالباً موجود عنده، ولكنه لا يتمكن من استعماله عقلاً أو شرعاً. وأمّا القرينة الخارجية فهي عدّة من الروايات الدالة على ذلك. وعلى هذا فان تمكّن المكلف من استعمال الماء عقلاً وشرعاً فهو واجد له، ووظيفة الواجد الوضوء أو الغسل، وإن لم يتمكن من استعماله عقلاً أو شرعاً فهو فاقد له، ووظيفة الفاقد التيمم، فالآية المباركة في مقام بيان أنّ المكلف على نوعين: الواجد والفاقد ولا ثالث لهما، ومن الواضح أنّ التقسيم قاطع للشركة. وعليه فاذا ضممنا ما يستفاد من هذه الآية المباركة بضميمة القرائن الداخلية والخارجية إلى ما يستفاد من الآية الاُولى بضميمة الروايات الواردة فيها من أنّ لكل صلاة وقتاً خاصاً تجب في ذلك الوقت الخاص لا فيما عداه، فالنتيجة هي أنّ المكلف إذا تمكن في ذلك الوقت من استعمال الماء عقلاً وشرعاً فهو واجد له ووظيفته عندئذ الوضوء أو الغسل، وإن لم يتمكن فيه من استعماله عقلاً أو شرعاً فهو فاقد له، ووظيفته حينئذ التيمم. ومن هنا قلنا إنّ المراد من عدم الوجدان في الآية المباركة عدم الوجدان بالاضافة إلى الصلاة التي قام المكلف إلى إتيانها لا مطلقاً، فلو لم يتمكن المكلف من إيقاع الصلاة في وقتها مع الطهارة المائية فهو غير واجد بالاضافة إلى الصلاة، وإن كان واجداً بالاضافة إلى غيرها، وعلى هذا بما أنّ فيما نحن فيه لا يتمكن المكلف من إيقاع الصلاة في وقتها مع الطهارة المائية من جهة ضيق الوقت يتعين عليه إيقاعها فيه مع الطهارة الترابية. وهذه النتيجة نتيجة ضم هذه الآية ـ أعني بها آية الوضوء ـ إلى الآية الاُولى، مع ملاحظة القرائن والنصوص الواردة في أطرافهما.
ــ[36]ــ
وعلى هذا الأساس تبيّن أ نّه إذا دار الأمر بين إدراك تمام الركعات في الوقت مع الطهارة الترابية وإدراك ركعة واحدة مع الطهارة المائية، فيقدّم الأوّل على الثاني، والوجه فيه ما عرفت من أنّ المسـتفاد من الآيتين المباركتين بعد ضم إحداهما إلى الاُخرى مع ملاحظة القرائن والروايات الواردة في المقام، هو أنّ الواجب على المكلف إيقاع تمام الصلاة في الوقت مع الطهارة المائية في فرض وجدان الماء، ومع الطهارة الترابية في فرض فقدانه، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها أصلاً، فلو أخّرها عنه ولو بمقدار ركعة واحدة لبطلت لا محالة، بل اتيانها عندئذ بقصد الأمر تشريع ومحرّم، ضرورة سقوط الأمر المتعلق بها في الوقت، فيحتاج وجوبها في هذا الحال إلى أمر آخر. وعلى هذا فاذا فرضنا أنّ الوضوء أو الغسل موجب لتفويت الوقت أو تفويت مقدار منه بحيث لا يقدر على إدراك تمام الصلاة في مقدار آخر منه، فلا يجوز ولا يكون مشروعاً، وعليه فلا محالة تنتقل وظيفته إلى التيمم، لعدم تمكنه وقتئذ من الوضوء أو الغسل شرعاً، وإن تمكن عقلاً. هذا بحسب ما تقتضيه القاعدة الأوّلية. وأمّا بحسب النصوص، فانّ جملةً منها وإن دلّت على أنّ إدراك ركعة واحدة من الصلاة في الوقت بمنزلة إدراك تمام الركعات(1) إلاّ أنّ الظاهر منها بمقتضى الفهم العرفي اختصاص ذلك بمن لم يتمكن من إتيان تمامها في الوقت، واضطرّ إلى التأخير إلى زمان لا يبقى من الوقت إلاّ بمقدار إدراك ركعة واحدة، فالشارع جعل لمثله إدراك ركعة واحدة بمنزلة إدراك تمام الركعات إرفاقاً وتوسعةً له، ـــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 4: 217 / أبواب المواقيت ب 30.
ــ[37]ــ
وأمّا من تمكن من إدراك تمام الركعات في الوقت، ولكنّه أخّر باختياره وإرادته إلى أن ضاق الوقت بحيث لم يبق منه إلاّ بمقدار إتيان ركعة واحدة فيه، فلا يكون مشمولاً لتلك الروايات، ضرورة أ نّها لم تكن في مقام بيان الترخيص والتوسعة للمكلفين في تأخير صلواتهم إلى أن لا يسع الوقت إلاّ بمقدار ركعة واحدة منها. وعلى الجملة: فلا شبهة في ظهور الروايات في اختصاص هذا الحكم بغير المتمكن من أداء تمام الصلاة في الوقت، وأنّ الشارع جعل هذا توسعةً له، وأنّ إدراكه ركعة واحدة في الوقت بمنزلة إدراكه تمام الركعات فيه. بل يمكن استظهار ذلك ـ أعني الاختصاص بالمضطر وبغير المتمكن ـ من نفس التعبير بكلمة «أدرك» حيث إنّه يظهر من موارد استعمالات هذه الكلمة أ نّها تستعمل فيما إذا لم يتمكن الانسان منه ابتداءً، ثمّ بعد الفحص والطلب تمكن منه، كما إذا طلب أحد غريمه ثمّ وجده فيقال إنّه أدرك غريمه، وأمّا إذا لم يطلبه ولكنه صادفه من باب الاتفاق، فلا يقال إنّه أدركه، بل يقال إنّه صادف غريمه، أو إذا نظر في مسألة علمية مثلاً وبعد النظر والدقّة وصل إلى ما هو المقصود منها فيقال إنّه أدرك المقصود، وأمّا إذا خطر بباله صدفةً ومن دون تفكّر ونظر فلا يقال إنّه أدركه، وهكذا. وفي المقام قوله (عليه السلام): «من أدرك ركعةً واحدةً من الغداة في الوقت فقد أدرك تمام الركعات» (1) ظاهر في اختصاص الحكم بغير المتمكن، وأمّا من تمكّن من إدراك تمام الركعات في الوقت ولكنّه أخّرها باختياره وإرادته إلى زمان لا يسع الوقت إلاّ بمقدار ركعة واحدة، فلا يصدق عليه أ نّه أدرك ركعةً ـــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 3: 217 / أبواب المواقيت ب 30 ح 2.
ــ[38]ــ
واحدةً في الوقت ليكون مشمولاً للرواية، لما عرفت من أنّ كلمة «أدرك» بحسب موارد استعمالها إنّما تستعمل في وجدان شيء بالاجتهاد والطلب، فلا تصدق على وجدانه صدفة ومن باب الاتفاق. وكيف ما كان، فلا إشكال في ظهور الروايات فيما ذكرناه، وهي وإن كانت اثنتان منها ضعيفتين (1) إلاّ أنّ واحدة منها موثقة (2) وهي كافية لاثبات المسألة. ـــــــــــــــــــــ (1) [ وهما ] رواية الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أدرك من الغداة ركعةً قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة» ضعيفة بأبي جميلة المفضّل ابن صالح. ورواية عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث: «قال: فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته، وإن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلي حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها» ضعيفة بعلي بن خالد. وسائل الشيعة 4: 217 / أبواب المواقيت ب 30 ح 2، 3. أقول: إنّ الموثقة وإن وردت في صلاة الغداة خاصة، إلاّ أ نّه من الواضح جداً أ نّه لا خصوصية لها في ذلك أصلاً، وأنّ الحكم بالادراك يعمّ جميع الصلوات اليومية والفرائض الخمس بلا خصوصية في البين، وذكر الغداة فحسب في الموثقة إنّما كان من باب المثال ولا موضوعية له أبداً، ولعلّه لنكتة الاشارة إلى كثرة الابتلاء بتلك المسألة في الغداة خاصة دون البقية كما هو كذلك، وعليه فلا وجه لتوهم اختصاص الحكم بالغداة وعدم شموله للبقية. (2) [ وهي ] رواية عمار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث «قال: فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته». الوسائل 4: 217 / أبواب المواقيت ب 30 ح 1.
ــ[39]ــ
وعلى أساس هذا البيان قد ظهر أنّ هذه الروايات أجنبية عن مقامنا تماماً، ولا يدل شيء منها على تقديم إدراك ركعة مع الطهارة المائية على إدراك تمام الركعات مع الطهارة الترابية، والوجه في ذلك ما عرفت الآن من اختصاص موضوع تلك الروايات بخصوص المضطر وغير المتمكن من إدراك تمام الركعات في الوقت، هذا من جانب. ومن جانب آخر: قد تقدّم أنّ المستفاد من الآيتين المتقدمتين بضميمة الروايات والنصوص الواردة في المسألة هو أنّ المكلف إن تمكن في الوقت من الطهارة المائية فوظيفته الطهارة المائية، وإن لم يتمكن منها فوظيفته الطهارة الترابية. فالنتيجة على هدى هذين الجانبين: هي أنّ المكلف إن لم يتمكن من إدراك تمام الركعات في الوقت مع الطهارة المائية لضيقه وتمكن من إدراك تمامها مع الطهارة الترابية كان المتعين هو الثاني، والروايات المزبورة كما عرفت مختصة بالمضطر وغير المتمكن من إدراك التمـام، والمفروض في المقام أ نّه متمكن من إدراكه، غاية الأمر مع الطهارة الترابية دون المائية. ومن الواضح جداً أ نّه لا يفرق في التمكن من الصلاة في الوقت بين أن يكون مع الطهارة المائية وأن يكون مع الطهارة الترابية، وعلى كلا التقديرين فلا يكون مشمولاً لتلك الروايات، لاختصاصها كما مرّ بغير المتمكن مطلقاً ولو مع الطهارة الترابية كما هو مقتضى إطلاقها، فإذن لا دوران في المقام لنرجع إلى المرجّح، ونقدّم ما ليس له بدل على ما له بدل. فما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من دوران الأمر بين إدراك ركعة واحدة في الوقت مع الطهارة المائيـة، وإدراك تمام الركعات فيه مع الطهارة الترابية لا موضوع له أصلاً. ونتيجة ما ذكرناه لحدّ الآن: هي أنّ ما ذكره (قدس سره) من الفروع الثلاثة
ــ[40]ــ
ليس شيء منها صغرى للكبرى المتقدمة، وهي تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل. ثمّ إنّ من الغريب ما عن بعض المـحدثين (1) في المقام من الحكم بسقوط الصلاة في هذا الفرض، بدعوى أ نّه فاقد للطهورين، أمّا الطهارة المائية من الوضوء أو الغسل فلا يتمكن منها، لأ نّها توجب تفويت الصلاة عن الوقت وهو غير جائز، وأمّا الطهارة الترابية فغير مشروعة، لأنّ مشروعيتها منوطة بفقدان الماء وعدم وجدانه، والمفروض هنا أنّ المكلف واجد للماء، إذن تسقط الصلاة عنه باعتبار أ نّه فاقد الطهورين. ووجه غرابته ما ذكرناه في غير مورد من أنّ المراد من الوجدان ليس وجوده الخارجي، بل المراد منه من جهة القرائن الداخلية والخارجية وجوده الخاص، وهو ما تمكن المكلف من استعماله في الوضوء أو الغسل عقلاً وشرعاً، وفي المقام بما أ نّه لا يتمكن من استعماله شرعاً، لأجل أ نّه يوجب تفويت الوقت وهو غير جائز، فلا محالة تنتقل وظيفته إلى التيمم. وعلى الجملة: فقد تقدّم أنّ المكلف مأمور بالصلاة في أوقاتها بمقتضى الآيات والروايات، وأنّ تلك الصلاة مشروطة بالطهارة المائية في فرض التمكن منها عقلاً وشرعاً، وبالطهارة الترابية في فرض فقدان الماء وعدم التمكن من استعماله عقلاً أو شرعاً، وفيما نحن فيه بما أنّ المكلف لا يتمكن ـ من جهة المحافظة على الصلاة في وقتها ـ من الطهارة المائية، فتجب عليه الطهارة الترابية، ضرورة أنّ مشروعية الطهارة الترابية إنّما هي من جهة المحافظة على الوقت، وإلاّ لتمكن المكلف من استعمال الماء في زمان لا محالة. ـــــــــــــــــــــ (1) وهو الشيخ حسين آل عصفور، راجع شرح العروة 10: 154.
ــ[41]ــ
وعليه فلا معنى لما ذكر من كونه واجداً للماء فلا يكون مأموراً بالتيمم. هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين جزأين أو شرطين أو شرط وجزء لواجب واحد. وأمّا إذا دار الأمر بين جزء أو شرط وواجب آخر، كما إذا كان عند المكلف ماء لايكفي للوضوء ولرفع عطش نفسه أو من هو مشرف على الهلاك معاً، ففي مثل ذلك وإن وقعت المزاحمة بين وجوب صرف هذا الماء في الوضوء أو الغسل ووجوب صرفه في واجب آخر، إلاّ أنّ تقديم صرفه في واجب آخر كرفع العطش أو نحوه على صرفه في الوضوء أو الغسل ليس من جهة ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل، وبما أنّ الوضوء أو الغسل له بدل وهو التيمم فيقدّم عليه الواجب الآخر، بل من ناحية ما ذكرناه غير مرّة من أنّ المراد من الوجدان في الآية المباركة المأخوذ في موضوع وجوب الوضوء أو الغسل ليس مطلق وجوده في الخارج، بل المراد منه بمعونة القرائن الخارجية والداخلية وجوده الخاص وهو ما تمكن المكلف من استعماله عقلاً وشرعاً، ولا يكفي التمكن العقلي فحسب. وعلى هذا فبما أنّ المكلف مأمور بصرف هذا الماء في واجب آخر لم يعتبر فيه شيء ما عدا القدرة عليه تكويناً، فلا محالة يكون عاجزاً عن صرفه في الوضوء أو الغسل، فاذن تنتقل وظيفته إلى التيمم. فالنتيجة: أنّ وجه تقديم وجوب صرف الماء في واجب آخر على وجوب صرفه في الوضوء أو الغسل ما ذكرناه من أنّ المكلف في هذا الحال غير واجد للماء ووظيفته حينئذ بمقتضى الآية المباركة هي التيمم لا غيره، لا ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره). وقد تلخص مما ذكرناه: أنّ هذا الفرع أيضاً ليس من صغريات الكبرى المتقدمة.
|