تعلّق الأوامر بالطبائع أو بالأفراد 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6480


ــ[192]ــ
 

هل الأوامر متعلقة
بالطبائع أو الأفراد

غير خفي أنّ هذا النزاع بظاهره مما لا معنى له، وذلك لأ نّه لا شبهة في أنّ مراد القائلين بتعلق الأوامر بالأفراد ليس تعلقها بالموجودات الخارجية، ضرورة أنّ الموجود الخارجي مسقط للأمر فلا يعقل تعلق الأمر به، كما أنّ مراد القائلين بتعلقها بالطبائع ليس تعلقها بالطبائع الصرفة ومن حيث هي مع قطع النظر عن حيثية انطباقها على ما في الخارج، ضرورة أنّ مثل هذه الطبيعة غير قابل لأن يتعلق بها الأمر.
ولكنّ الذي ينبغي أن يقال في هذه المسألة هو أ نّه يمكن تقرير النزاع فيها من ناحيتين:
الاُولى: من جهة ابتناء ذلك على القول بوجود الكلّي الطبيعي في الخارج والقول بعدم وجوده، فعلى الأوّل يتعلق الأمر بالطبيعة، وعلى الثاني بالفرد، بيان ذلك: هو أ نّه لا شبهة في أنّ كل وجود في الخارج بذاته وشخصه يمتاز عن وجود آخر ويباينه، ويستحيل اتحاد وجود فيه مع وجود آخر، ضرورة أنّ كل فعلية تأبى عن فعلية اُخرى وكل وجود يباين وجوداً آخر ويأبى عن الاتحاد معه.
وبعد ذلك نقول: إنّه لا إشكال في أنّ الوجود بواقعه وحقيقته ـ لا بمفهومه

ــ[193]ــ

الانتزاعي ـ وجود للفرد حقيقةً وذاتاً، بداهة أنّ إسناد الوجود إليه إسناد واقعي حقيقي، مثلاً زيد موجود حقيقةً وعمرو موجود كذلك... وهكذا، وهذا مما لا إشكال فيه، سواء فيه القول بوجود الطبيعي في الخارج أو القول بعدم وجوده.
وبكلمة أوضح: أنّ كل حصة في الخارج تباين حصة اُخرى منها وتمتاز عنها بهويتها الشخصية ووجودها الخاص، مثلاً الحصة المتقررة من الانسانية في ذات زيد تباين الحصة المتقررة في ذات عمرو... وهكذا، وتمتاز عنها بنفس هويتها ووجودها، ولكن من الطبيعي أنّ امتياز أيّة حصة عن حصة اُخرى ليس بالذات والحقيقة وإنّما هو بالوجود، ضرورة أنّ امتياز كل شيء به بقانون أنّ الشيء ما لم يوجد لم يتشخص، وقد عرفت أنّ الوجود هو نفس التشخص، فلذا قلنا إنّ امتياز وجود عن وجود آخر إنّما هو بنفس ذاته وتشخصه، وعليه فلا محالة يكون امتياز حصة عن اُخرى أو فرد عن آخر باضافة الوجود الحقيقي إليها، فانّ الحصة بالتحليل العقلي تنحل إلى ماهية وإضافة، أعني إضافتها إلى الوجود، وتلك الاضافة توجب صيرورتها حصةً وفرداً بحيث لو لم تكن تلك الاضافة فلاحصة في الخارج ولا فرد، فملاك فردية زيد مثلاً وكونه حصة من الانسان إنّما هو إضافة الوجود الواقعي إليه إضافةً حقيقيةً.
ومن هنا قلنا إنّ امتياز الحصة عن الاُخرى بالوجود، ولكن امتياز وجودها عن وجود الاُخرى بالذات والحقيقة بقانون أنّ كل ما بالغير لا بدّ وأن ينتهي إلى ما بالذات. أو فقل: إنّ تشخص الحصة وتفرّدها بالوجود لا غيره، وأمّا تشخص الوجود وتفرّده فهو بنفس ذاته لا بشيء آخر، وإلاّ لدار أو تسلسل كما لا يخفى.
وقد تحصّل من ذلك: أنّ الحصص والأفراد موجودة في الخارج حقيقةً

ــ[194]ــ

بوجوداتها الواقعية، وهذا مما لا كلام فيه على كلا القولين، أي سواء فيه القول بوجود الطبيعي خارجاً أو القول بعدم وجوده، وإنّما الكلام في أنّ هذا الوجود المضاف إلى الفرد ويكون وجوداً له هل هو وجود للطبيعي أيضاً، بأن يكون له إضافتان: إضافة إلى الحصة، وبتلك الاضافة يكون وجوداً للفرد، وإضافة إلى الطبيعي، وبها يكون وجوداً له، أو هو ليس وجوداً للطبيعي إلاّ بالعرض والمجاز، ولا يصح إسناده إليه على نحو الحقيقة، فالقائل بوجود الطبيعي في الخارج يدّعي الأوّل وأنّ كل وجود مضاف إلى الفرد فهو وجود للطبيعي على نحو الحقيقة، مثلاً وجود زيد كما أ نّه وجود له حقيقةً وجود للانسان كذلك... وهكذا، غاية الأمر أنّ هذا الوجود الواحد باعتبار إضافته إلى الفرد متشخص وممتاز عن غيره في الخارج، وباعتبار إضافته إلى الطبيعي لا امتياز ولا تشخص له بالنسبة إلى غيره أصلاً كما هو واضح، والقائل بعدم وجوده يدّعي الثاني وأ نّه لا تصح إضافة هذا الوجود ـ أعني الوجود المضاف إلى الفرد ـ إلى الطبيعي حقيقةً، وأ نّه ليس وجوداً له بل هو وجود للفرد فحسب.
وعلى الجملة، فبالتحليل العقلي النزاع المعقول في وجود الطبيعي في الخارج وعدم وجوده فيه ليس إلاّ النزاع في هذه النقطة وهي ما ذكرناه، ضرورة أ نّه لم يدّع أحد أ نّه موجود في الخارج بوجود مباين لوجود فرده، كما أنّ القول بأ نّه موجود بوجود واحد لا بعينه باطل من رأسه، ضرورة أنّ الواحد لا بعينه لا مصداق له في الخارج ولا تعيّن له، والوجود له تعيّن ومصداق فيه، ففرض وجوده خارجاً يناقض فرض عدم تعيّنه فيه فلا يجتمعان.
وعليه فالنزاع المعقول ينحصر بتلك النقطة، فالمنكر لوجوده يدّعي أ نّه لا يصح إسناد الوجود إليه حقيقةً، والقائل به يدّعي أ نّه يصح ذلك بمعنى أنّ

ــ[195]ــ

الوجود في الخارج وإن كان واحداً، إلاّ أنّ له نسبتين نسبة إلى الفرد ونسبة إلى الطبيعي، وكلتا النسبتين حقيقية، ومن المعلوم أنّ تعدد النسبة لا يوجب تعدد الوجود، وهذا واضح.
والصحيح في المسألة: أنّ الطبيعي موجود في الخارج حقيقةً، وذلك لصحة حمل الوجود عليه، فلا فرق بين قولنا: زيد موجود، وقولنا: الانسان موجود، فكما أنّ الأوّل على نحو الحقيقة فكذلك الثاني، ولذا لا يصح سلبه عنه، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أ نّه لا شبهة في صحة حمله على الفرد، فيقال: زيد انسان، ومن المعلوم أ نّه يعتبر في صحة الحمل الاتحاد في الوجود الخارجي وإلاّ فالحمل غير صحيح، وهذا لعلّه من الواضحات.
وبعد ذلك نقول: إنّه على القول بوجود الطبيعي في الخارج يتعلق الأمر به، وعلى القول بعدم وجوده فيه يتعلق بالحصة والفرد، ولكن بإحدى الحصص الخارجية لا بالمعيّن منها. فالنتيجة على كلا القولين هي التخيير بين تلك الحصص والأفراد عقلاً. أمّا على القول الأوّل فواضح. وأمّا على القول الثاني فلفرض أنّ الأمر لم يتعلق بالحصة الخاصة، بل تعلق بواحدة منها لا بعينها، ومن المعلوم أنّ تطبيقها على هذه وتلك بيد المكلف، ولا نعني بالتخيير العقلي إلاّ هذا.
ومن هنا يظهر أ نّه لا ثمرة للبحث عن هذه المسألة أصلاً، ولا تترتب عليها أيّة ثمرة عملية، ضرورة أ نّه على كلا القولين لا بدّ من الاتيان بالفرد والحصة في الخارج، سواء أكان الأمر متعلقاً بالطبيعي أم بالفرد، وذلك لاستحالة إيجاد الطبيعي في الخارج معرىً عن جميع الخصوصيات والتشخّصات لتظهر الثمرة بين القولين. نعم، لو أمكن ذلك فرضاً فعلى القول الأوّل يسقط لا محالة الأمر دون القول الثاني، إلاّ أ نّه مجرد فرض لا واقع له أبداً، فإذن لا ثمرة لتلك المسألة

ــ[196]ــ

أصلاً.
وإن كان الصحيح هو تعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد، وتشهد على ذلك مراجعة الوجدان، فانّ الانسان إذا راجع وجدانه يرى أ نّه إذا أراد شيئاً تعلقت إرادته بطبيعي ذلك الشيء لا بحصة متشخصة منه، فلو طلب الماء مثلاً يرى أنّ متعلق طلبه هو الطبيعي من دون ملاحظة خصوصية خارجية فيه ككونه في إناء خاص أو من ماء مخصوص أو ما شابه ذلك مما لا دخل له في مطلوبه.
وقد تحصّل من ذلك اُمور:
الأوّل: أنّ الكلّي الطبيعي موجود في الخارج بوجود فرده.
الثاني: أنّ الأوامر متعلقة بالطبائع دون الأفراد.
الثالث: أ نّه لا ثمرة لهذا البحث أصلاً بل هو بحث علمي فلسفي.
الناحية الثانية: ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) من أنّ مردّ النزاع في هذه المسألة إلى أنّ الأوامر هل تتعلق بالطبائع مع قطع النظر عن مشخصاتها ولوازم وجوداتها في الخارج، بحيث تكون تلك اللوازم والمشخصات خارجةً عن دائرة متعلقاتها، وإنّما هي موجودة معها قهراً، لاستحالة كون الشيء موجوداً بلا تشخص، أو تتعلق بالأفراد مع تلك المشخصات، بحيث تكون المشخصات مقوّمةً للمطلوب والمراد، وداخلة في دائرة المتعلقات.
فالقائل بتعلق الأمر بالطبيعـة أراد تعلقه بذات الشيء مع قطع النظر عن مشخصاته، بحيث لو تمكن المكلف من إيجاده في الخارج بدون أيّ مشخص وأوجده لسقط الأمر وحصل الغرض، لفرض أ نّه أتى بالمأمور به وما هو
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1: 306.

ــ[197]ــ

متعلق الأمر. والقائل بتعلقه بالفرد أراد تعلقه بالشيء مع مشخصاته فتكون مشخصاته أيضاً مأموراً بها.
وعلى هذا فتظهر الثمرة بين القولين في باب اجتماع الأمر والنهي، وذلك لأ نّه على القول بتعلق الأوامر والنواهي بالطبائع دون الأفراد، ففي مورد الاجتماع كالصلاة في الدار المغصوبة مثلاً لا يسري الأمر من متعلقه وهو طبيعة الصلاة إلى متعلق النهي وهو الغصب ولا العكس، لفرض أ نّهما طبيعتان مستقلتان غاية الأمر أنّ كل واحدة منهما مشخصة للاُخرى في مورد الاجتماع، وقد عرفت أنّ الأمر والنهي لايسريان على هذا القول إلى مشخصات متعلقهما. فإذن لا مناص من القول بالجواز في تلك المسألة.
وأمّا على القول بتعلق الأوامر والنواهي بالأفراد دون الطبائع فلا مناص من الالتزام بالقول بالامتناع في تلك المسألة، وذلك لفرض أنّ الأمر على هذا القول متعلق بالصلاة مع مشخصاتها، والمفروض أنّ الغصب في مورد الاجتماع مشخّص لها، فإذن يكون متعلقاً للأمر، والحال أ نّه متعلق للنهي أيضاً، فيلزم عندئذ اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد وهو محال، ضرورة استحالة كون شيء واحد مأموراً به ومنهياً عنه معاً.
وعلى الجملة: فعلى القول الأوّل بما أنّ متعلق كلٍّ من الأمر والنهي هو الطبيعة دون مشخصاتها، فلا محالة لا يلزم في مورد الاجتماع كون شيء واحد مأموراً به ومنهياً عنه، لفرض أنّ متعلق أحدهما غير متعلق الآخر فلا يتحدان في الخارج، غاية الأمر أ نّهما متلازمان في الوجود الخارجي وأنّ كلاً منهما مشخص للآخر. وعلى القول الثاني بما أنّ المشخصات أيضاً متعلقة للأمر والنهي، فلا مناص من الالتزام بالامتناع في مورد الاجتماع لفرض أنّ متعلق كل منهما عندئذ مشخص للآخر، وعليه فلا محالة يسري كل منهما من متعلقه إلى متعلق

ــ[198]ــ

الآخر، فيلزم اجتماعهما في شيء واحد وهو محال.
وقد تحصّل مما ذكرناه: أنّ هذه الفرضية التي فرضها شيخنا الاُستاذ (قدس سره) لو تمّت لأصبحت المسألة ذات ثمرة مهمة، ولكنها فرضية خاطئة وغير مطابقة للواقع، وذلك لما أشرنا إليه سابقاً على نحو الاجمال وإليك تفصيله:
وهو أنّ كل وجود سواء أكان جوهراً أم عرضاً متشخص في الخارج بذاته، فلا يعقل أن يكون متشخصاً بوجود آخر، وذلك لما عرفت من أنّ الوجود هو نفس التشخص وأنّ تشخص كل شيء به، فلا يعقل أن يكون تشخصه بشيء آخر أو بوجود ثان، وإلاّ لدار أو تسلسل، وعليه فتشخصه بمقتضى قانون أنّ كل ما بالغير وجب أن ينتهي إلى ما بالذات بنفس ذاته، ولذا قلنا إنّ كل وجود في ذاته مباين لوجود آخر، وكل فعلية بنفسها تأبى عن الاتحاد مع فعلية اُخرى وتمتاز عنها بنفس ذاتها، وهذا بخلاف الماهية فان تشخصها إنّما يكون بالوجود وامتيازها عن ماهية اُخرى به لا بذاتها، وهذا معنى قولنا: الشيء ما لم يوجد لم يتشخص. فالنتيجة هي أنّ تشخص الوجود بنفسه والماهية بتبع عروض الوجود لها.
وعلى ضوء هذه النتيجة أنّ الاُمور الملازمة للوجود الجوهري خارجاً التي لا تنفك عنه كأعراضه من الكمّ والكيف والأين والاضافة والوضع وغيرها، موجودات اُخرى في قبال ذلك الموجود ومباينة له ذاتاً وحقيقةً، ومتشخصات بنفس ذواتها وأفراد لطبائع شتّى مختلفة لكل منها وجود وماهية، فلا يعقل أن تكون مشخصات لذلك الوجود، لما عرفت من أنّ الوجود هو نفس التشخص فلا يعقل أن يكون تشخصه بكمّه وكيفه وأينه ووضعه وما شابه ذلك، ضرورة أنّ لهذه الأعراض وجودات مباينة بأنفسها لذلك الوجود وإن كانت قائمة به، كما هو شأن وجود العرض، وقد عرفت أنّ تشخص الوجود بنفس ذاته

ــ[199]ــ

فيستحيل أن يكون بوجود آخر.
وتوهم أنّ وجود العرض بما أ نّه متقوّم بوجود الجوهر خارجاً فلأجل ذلك يكون متشخصاً به توهم خاطئ جداً، ضرورة أنّ قيامه به في مرتبة متأخرة عن وجوده، وعليه فلا يعقل أن يكون مشخصاً له. مثلاً تشخص زيد بنفس وجوده الخارجي لا ببياضه ولا بسواده ولا بكمّه ولا بأينه ولا بوضعه، وإن كان كل وجود في الخارج لا ينفك عن هذه الاُمور، ضرورة أنّ لكل منها وجوداً في قبـال وجوده وكل وجود متشخص بنفس ذاته وفرد من أفراد إحدى المقولات التسع العرضية.
وعلى الجملة: فالوجود لا يعقل أن يكون متشخصاً بوجود آخر، من دون فرق فيه بين أن يكون الوجودان من طبيعة واحدة أو من طبيعتين كما هو ظاهر. ومن هنا لم يتوهم أحد ولا يتوهم أنّ وجود جوهر مشخص لوجود جوهر آخر، أو أنّ وجود عرض مشخص لوجود عرض آخر، والسر فيه ما ذكرناه من أنّ كل وجود متشخص بذاته وممتاز بنفسه عن غيره، ومن الواضح جداً أنّ هذا الملاك بعينه موجود بين وجود الجوهر ووجود العرض المتقوّم به، فلا يعقل أن يكون وجود العرض القائم به مشخصاً له، كما هو واضح. ومن ذلك يتبيّن أنّ إطلاق المشخصات على تلك الأعراض الملازمة له خارجاً مسامحة جداً، لما عرفت من أ نّها لا تعقل أن تكون مشخصات لوجود الجوهر أصلاً، بل هي وجودات ملازمة له في الخارج فلا تنفك عنه.
وبعد بيان ذلك نقول: إنّ تلك اللوازم والأعراض كما أ نّها خارجة عن متعلق الأمر على القول بتعلقه بالطبيعة، كذلك هي خارجة عن متعلقه على القول بتعلقه بالفرد، ضرورة أنّ محل الكلام في المسألة إنّما هو في تعلق الأمر

ــ[200]ــ

بالطبيعة أو بفرد ما من أفراد تلك الطبيعة، وأمّا الطبائع الاُخرى وأفرادها فجميعاً خارجة عن متعلق الأمر على كلا القولين، بداهة أ نّه لم يرد من القول بتعلقه بالفرد تعلقه بفرد ما من هذه الطبيعة وفرد ما من الطبائع الاُخرى الملازمة لها في الوجود الخارجي.
ولنأخذ مثالاً لذلك كالصلاة مثلاً فانّ القائل بتعلق الأوامر بالطبائع يدعي أنّ الأمر تعلق بطبيعة الصلاة مع عدم ملاحظة أيّة خصوصية من الخصوصيات، والقائل بتعلقها بالأفراد يدّعي أ نّه تعلق بفرد ما من أفرادها، ولا يدّعي أ نّه تعلق بفرد ما من أفرادها وأفراد الطبائع الاُخرى كالغصب أو نحوه، ضرورة أ نّه لا معنى لهذه الدعوى أبداً، كيف فانّ الأمر على الفرض متعلق بالصلاة على كلا التقديرين، وليس هو متعلقاً بها وبغيرها مما هو ملازم لها وجوداً وخارجاً، وقد عرفت أنّ تلك الأعراض واللوازم وجودات اُخرى وأفراد لطبائع غيرها ومقولات مختلفة لكلٍّ منها وجود وماهية مباين لوجود المأمور به وماهيته.
نعم، لو بني النزاع في المقام على أنّ المتلازمين هل يجوز اختلافهما في الحكم أم لا، تظهر الثمرة هنا، فانّه لو بنينا على عدم جواز اختلافهما في الحكم، وأنّ الحكم المتعلق بأحدهما يسري إلى الآخر، فلا بدّ من الالتزام بالقول بالامتناع في مورد الاجتماع. وأمّا إذا بنينا على جواز اختلافهما في الحكم وعدم سرايته من أحدهما إلى الآخر، فلا مناص من القول بالجواز فيه، وهذه نعمت الثمرة، إلاّ أنّ البناء على كون المتلازمين في الوجود لا بدّ أن يكونا متوافقين في الحكم وأ نّه يسري من أحدهما إلى الآخر، خاطئ جداً وغير مطابق للواقع قطعاً، ضرورة أنّ الثابت إنّما هو عدم جواز اختلافهما في الحكم، بأن يكون أحدهما

 
 

ــ[201]ــ

محكوماً بالوجوب والآخر محكوماً بالحرمة، وأمّا كونهما لابدّ أن يكونا متوافقين فيه فهو لم يثبت قطعاً لعدم الدليل عليه أصلاً، فإذن لا يمكن ابتناء النزاع في المسألة على هذا، كما أ نّه لايمكن ابتناؤه على ماذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره).
وكيف كان فالعجب منه (قدس سره) كيف غفل عن هذه النقطة الواضحة، وهي أنّ هذه الأعراض واللوازم ليست متعلقة للأمر على كلا القولين كما عرفت بشكل واضح. ولعل منشأ غفلته عنها تخيل كون تلك اللوازم والأعراض من مشخصات المأمور به في الخارج، ولكنّك عرفت أنّ هذا مجرد خيال لا واقع له، وأنّ مثل هذا الخيال عن مثله (قدس سره) غريب، وذلك لما سبق من أنّ تلك الأعراض لاتعقل أن تكون من مشخصات الوجود خارجاً، فانّ تشخص الوجود كما مرّ بنفسه لا بشيء آخر، بل إنّها وجودات اُخرى في قبال ذلك الوجود وملازمة له في الخارج.
فالنتيجة مما ذكرناه قد أصبحت: أنّ النزاع المعقول في هذه المسألة هو ما ذكرناه، لا ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وعلى هذا فلا ثمرة للمسألة أصلاً كما عرفت.
نلخص نتيجة البحث عن هذه المسألة في عدّة خطوط:
الأوّل: أنّ النزاع المعـقول في هذه المسألة إنّما هو ابتناء ذلك على وجود الطبيعي في الخارج وعدم وجوده فيه، وإلاّ فقد عرفت أنّ النزاع فيها بظاهره لا يرجع إلى معنىً محصّل أصلاً.
الثاني: أنّ الصحيح هو وجود الطبيعي في الخارج، وذلك لأجل أنّ إسناد الوجود إلى الفرد كما أ نّه حقيقي، كذلك إسناده إلى الطبيعي، ضرورة أ نّه لا فرق بين قولنا زيد موجود وقولنا الانسان موجود، ولا نعني بوجود الطبيعي في

ــ[202]ــ

الخارج إلاّ ذلك، بل لا نعقل لوجوده فيه معنىً محصّلاً ما عدا كون إضافة الوجود الخارجي إليه حقيقية، كما أنّ إضافته إلى الفرد كذلك.
الثالث: أنّ الأوامر متعلقة بالطبائع دون الأفراد، وتكفي شاهداً على ذلك مراجعة الوجدان في هذا الباب.
الرابع: أنّ ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في هذه المسألة من أنّ مردّ القول بتعلق الأمر بالطبيعة هو أنّ المأمور به نفس الطبيعي ومشخصاته تماماً خارجة عنه، ومردّ القول بتعلقه بالفرد هو أنّ المأمور به الفرد مع مشخصاته فتكون مشخصاته داخلة فيه، وعلى هذا رتّب ثمرة مهمّة في مسألة اجتماع الأمر والنهي، لا يمكن المساعدة عليه، وذلك لما عرفت من أنّ تشخص كل وجود بنفسه لا بوجود آخر، ومجرد كون وجود ملازماً لوجود آخر في الخارج لا يوجب أن يكون تشخصه به. وعليه فلوازم وجود المأمور به خارجاً غير داخلة فيه وخارجة عن متعلق الأمر على كلا القولين كما سبق.
الخامس: أ نّه لا ثمرة لهذه المسألة أصلاً ولا يترتب على البحث عنها ما عدا ثمرة علمية.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net