كلام المحقق النائيني ونقده 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4667

ولكن لشيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) في المقام كلام، وهو أنّ انحلال النهي بالاضافة إلى الأفراد العرضية إنّما هو من جهة أخذ ترك الطبيعة حال تعلق الطلب به فانياً في معنوناته التي هي عبارة عن ترك كل واحد من تلك الأفراد
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 122.

ــ[356]ــ

الخارجية، وأمّا انحلاله بالاضـافة إلى الأفراد الطـولية فهو إنّما يمكن بأحد وجهين:
الأوّل: أن يكون الزمان مأخوذاً في ناحية المتعلق بأن يكون شرب الخمر في كل زمان محكوماً بالحرمة.
الثاني: أن يؤخذ الزمان في ناحية الحكم بأن يكون الحكم المتعلق بترك الطبيعة باقياً في الأزمنة اللاّحقة، وبما أ نّه لا دليل على أخذ الزمان في ناحية المتعلق من جهة، ولا معنى لتحريم شيء يسقط بامتثاله آناً ما من جهة اُخرى، فلا محالة يكون دليل الحكمة مقتضياً لبقاء الحكم في الأزمنة اللاّحقة.
نلخّص ما أفاده (قدس سره) في عدّة صور:
الاُولى: أنّ انحلال النهي بالاضافة إلى الأفراد العرضية إنّما هو من ناحية أخذ ترك الطبيعة فانياً في معنوناته حين تعلق الطلب به، ولازم ذلك هو أنّ متعلق الطلب في الحقيقة هو ترك كل فرد من أفراد هذه الطبيعة في الخارج، فانّ الطلب المتعلق به لا محالة يسري إلى جميع أفراده ومعنوناته، لفرض أ نّه اُخذ فانياً في تلك المعنونات، وهذا معنى انحلال النهي بانحلال ترك أفراد الطبيعة.
الثانية: أنّ انحلال النهي بالاضافة إلى الأفراد الطولية إنّما هو من جهة أحد الأمرين: إمّا أخذ الزمان في ناحية المتعلق، أو أخذه في ناحية الحكم، ولا ثالث، ضرورة أنّ النهي لا يدل على الانحلال بالاضافة إلى تلك الأفراد، وإنّما يدل عليه بالاضافة إلى الأفراد العرضية فحسب.
والسر في ذلك: هو أنّ الملحوظ حال تعلق الطلب بترك الطبيعة هو فناؤه في ترك كل فرد من أفرادها فحسب، لافناؤه في ترك كل فرد منها في كل آن من الآنات وزمان من الأزمنة، ولأجل ذلك يدل على الانحلال من الناحية الاُولى

ــ[357]ــ

دون الثانية.
الثالثة: أنّ أخذ الزمان في ناحية المتعلق يحتاج إلى دليل، وحيث إنّه لا دليل عليه في المقام، فدليل الحكمة يعيّن أخذه في ناحية الحكم فيدل على استمراره وبقائه في الآنات اللاّحقة والأزمنة المتأخرة.
ولنأخذ بالمناقشة في جميع هذه الصور:
أمّا الصورة الاُولى: فيردّها ما تقدّم منّا (1) بشكل واضح، وملخّصه:
أمّا أوّلاً: فلأنّ أصل هذه النظرية فاسد، لما سبق من أنّ النهي ليس عبارة عن طلب ترك الطبيعة، ولا عبارة عن الزجر عنها، بل هو عبارة عن اعتبار المولى حرمان المكلف عن الطبيعة وإبراز ذلك الاعتبار في الخارج بمبرز ما من قول أو فعل.
وأمّا ثانياً: فلما عرفت من أنّ انحلال النهي بالاضافة إلى الأفراد العرضية والطولية على جميع المذاهب والآراء إنّما هو مقتضى الاطلاق الثابت بمقدّمات الحكمة، فانّ المتفاهم منه عرفاً ذلك بالاضافة إلى كلتيهما، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً.
وأمّا الصورة الثانية: فيرد عليها ما عرفت من أنّ استفادة العموم بالاضافة إلى الأفراد الطولية أيضاً بالاطلاق، فانّ إطلاق المتعلق وعدم تقييده بحصة خاصة كما يقتضي العموم بالاضافة إلى الأفراد العرضية، كذلك إطلاقه وعدم تقـييده بزمان معيّن يقتضي العمـوم بالاضافة إلى الأفراد الطـولية، فما أفاده (قدس سره) من أنّ انحلال النهي بالاضافة إلى الأفراد الطولية يتوقف على أحد
ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 272.

ــ[358]ــ

أمرين: إمّا أخذ الزمان في ناحية المتعلق، أو أخذه في ناحية الحكم، لايمكن المساعدة عليه بوجه، لما مرّ من أ نّه لا يتوقف على شيء منهما، بل هو يتوقف على ثبوت الاطلاق، فإذا كان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينةً على التقييد بزمان خاص دون آخر، لا محالة كان مقتضى الاطلاق هو ثبوت الحكم لكل فرد من أفراد الطبيعة في كل آن وزمان.
أضف إلى ذلك: أ نّه لا معنى لأخذ الزمان في ناحية المتعلق أو الحكم في أمثال هذه الموارد، فانّ الزمان كالمكان بنفسه ظرف، فلا يحتاج كونه كذلك إلى لحاظ زائد، وعليه فإذا لم يقيد المولى الحكم بزمان خاص، فطبعاً يكون الحكم ثابتاً في تمام الأزمنة والآنات.
ومن الواضح جداً أنّ هذا لا يحتاج إلى لحاظ الزمان في ناحية المتعلق أو الحكم وأخذه فيه كما هو ظاهر، غاية الأمر قد يكون المتفاهم العرفي من ذلك هو استمرار الحكم على نحو العموم المجموعي، وقد يكون المتفاهم منه هو استمراره على نحو العموم الاستغراقي، كما هو الحال في أمثال هذه الموارد.
وأمّا الصورة الثالثة: فعلى تقدير تسليم أ نّه لا بدّ من أخذ الزمان في ناحية المتعلق أو الحكم لأجل استفادة العموم باضافة إلى الأفراد الطولية، فيرد عليها: أنّ دليل الحكمة يعيّن أخذه في ناحية المتعلق دون ناحية الحكم، وذلك لأن إطلاق المتعلق وعدم تقييده بزمان مخصوص يقتضي ثبوت الحكم له في كل زمان على نحو العموم الاستغراقي، بأن يثبت له في كل زمان حكم مغاير لثبوت حكم له في زمان ثان... وهكذا، وهذا هو المتفاهم منه عرفاً، ضرورة أنّ المتفاهم العرفي من النهي عن شرب الخمر مثلاً وسبّ المؤمن وما شاكلهما، هو انحلال النهي بانحلال أفرادها بحسب الأزمنة، فيكون النهي الثابت لسب

ــ[359]ــ

المؤمن في هذا الزمان مغايراً للنهي الثابت له في زمان آخر... وهكذا.
نعم، إطلاق المتعلق في بعض الموارد يعيّن أخذه في ناحية الحكم كما في مثل قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) وما شاكله كما عرفت.
فما أفاده (قدس سره) من أنّ دليل الحكمة يعيّن أخذه في ناحية الحكم لا يتم على إطلاقه، بل الغالب هو العكس.
هذا تمام الكلام في معنى النهي ونقطة الامتياز بينه وبين الأمر.
ـــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5: 1.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net