اختيار الآخوند الامتناع نتيجة مقدمات 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4132


وبعد ذلك نقول: إنّ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) قد اختار في المسألة القول بالامتناع، ورتّب ذلك القول على بيان مقدّمات:
الاُولى: ما لفظه: أ نّه لا ريب في أنّ الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان، وإن لم يكن بينهما مضادة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة، لعدم المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ إليها كما لا يخفى، فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال، بل من جهة أ نّه بنفسه محال، فلا يجوز عند من يجوّز التكليف بغير المقدور أيضاً.
ملخّص هذه المقدّمة: هو أنّ المضادة والمعاندة بين الأحكام الخمسة إنّما هي في مرتبة فعليتها وبلوغ تلك الأحكام حدّ البعث والزجر الحقيقيين، فلا مضادة بينها في مرتبة الانشاء فضلاً عن مرتبة الاقتضاء، واستحالة الجمع بين اثنين منها في هذه المرتبة في شيء واحد في زمان من باب استحالة اجتماع الضدّين، فلذا لا تختص بمذهب دون آخر، بل هو محال مطلقاً حتّى على مذهب الأشعري المجوّز للتكليف بالمحال، فانّ هذا في نفسه محال.
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 158 ـ 159.

ــ[443]ــ

الثانية: ما نصّه: أ نّه لا شبهة في أنّ متعلق الأحكام هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله، لا ما هو اسمه، وهو واضح، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لولا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهناً لما كان بحذائه شيء خارجاً، ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرّية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والاضافات، ضرورة أنّ البعث ليس نحوه والزجر لا يكون عنه، وإنّما يؤخذ في متعلق الأحكام آلةً للحاظ متعلقاتها، والاشـارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها، لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله.
مردّ هذه المقدّمة إلى أنّ الأحكام الشرعية لم تتعلق بالأسماء والألفاظ، ولا بالعناوين الانتزاعية التي لا مطابق لها في الخارج أصلاً، وإنّما تتعلق تلك الأحكام بأفعال المكلفين الصادرة عنهم خارجاً، ضرورة أنّ الغرض سواء أكان مصلحة أو مفسدة أم كان غيرهما لا يترتب على الأسماء والألفاظ المجردة، ولا على العناوين الانتزاعية التي لا واقع موضوعي لها، وإنّما يترتب على تلك الأفعال فحسب، وهذا ظاهر.
الثالثة: ما لفظه: أ نّه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون، ولا تنثلم به وحدته، فانّ المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة، بل بسيط من جميع الجهات، ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهته أصلاً، كالواجب (تبارك وتعالى) فهو على بساطته ووحدته وأحديته تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا، لكنّها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الأحد:
عباراتنا شتّى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير

ــ[444]ــ

ملخّص هذه المقدّمة: هو أنّ تعدد العنوان بشتّى أنواعه وأشكاله لا يوجب تعدد المعنون في الخارج، ضرورة أ نّه لا مانع من انطباق عناوين متعددة على معنون واحد خارجاً أصلاً، ولا يوجب تعدده أبداً، كانطباق عنوان الأب والابن والأخ والزوج والعالم والقادر وما شاكل ذلك على شخص واحد وذات فاردة كزيد مثلاً، بل تنطبق على ذات واحدة بسيطة من تمام الجهات كذاته تعالى شأنه، فانّ مفاهيم الصفات العليا الذاتية كالعالم والقادر ونحوهما، والصفات الفعـلية كالخالق والرازق والمتكلم والمريد وما شاكل ذلك، تنطبق على ذاته الأحدية، مع أ نّها بسيطة في غاية البساطة. نعم، تلك الذات البسيطة باعتبار انكشاف الأشياء لديها عالم، وباعتبار قدرتها على التكوين والايجاد قادر، وباعتبار خلقها الأشياء خالق، وباعتبار رزقها العالم رازق... وهكذا، فالاختلاف والتعدد إنّما هو في الاضافة لا في الذات، كما هو واضح، وكيف كان، فتعدد العنوان لا يستدعي تعدد المعنون بحسب الوجود الخارجي.
الرابعة: ما هذا نصه: أ نّه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلاّ ماهية واحدة وحقيقة فاردة لايقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو إلاّ تلك الماهية، فالمفهومان المتصادقان على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقية كانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده، فيكون الواحد وجوداً واحداً ماهيةً وذاتاً لا محالة، فالمجمع وإن تصادق عليه متعلقا الأمر والنهي، إلاّ أ نّه كما يكون واحداً وجوداً يكون واحداً ماهيةً وذاتاً، ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية. ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة كما توهّم في الفصول، كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده، ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له، وأنّ مثل الحركة في دار من أيّ مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها، وقعت

ــ[445]ــ

جزءاً لصلاة أو لا، كانت تلك الدار مغصوبة أو لا.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net