نتائج ما ذكرناه إلى الآن عدّة نقاط: الاُولى: أنّ ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من أنّ مسألة الاجتماع ترتكز على ركيزة واحدة، وهي أن يكون المجمع مشتملاً على مناط كلا الحكمين معاً خاطئ جداً، وذلك لما حققناه من أنّ البحث في هذه المسألة لا يختص بوجهة نظر مذهب دون آخر، بل يعم جميع المذاهب والآراء حتّى مذهب الأشعري المنكر لتبعية الأحكام لجهات المصالح والمفاسد مطلقاً. والسر فيه ما ذكرناه من أنّ مردّ البحث في هذه المسألة إلى البحث عن أنّ المجمع في مورد الاجتماع واحد وجوداً وماهية أو متعدد كذلك، فعلى الأوّل لا مناص من القول بالامتناع مطلقاً وعلى جميع المذاهب، ضرورة أنّ استحالة اجتماع الضدّين لا تختص بمذهب دون آخر، وعلى الثاني لا بدّ من القول بالجواز بناءً على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى اللاّزم. الثانية: أنّ ما ذكره (قدس سره) من أنّ مسألة التعارض ترتكز على كون المجمع مشتملاً على مناط أحد الحكمين في مورد الاجتماع أيضاً خاطئ، وذلك لأنّ البحث عن هذه المسألة كالبحث عن مسألة الاجتماع لا يختص بوجهة نظر مذهب دون آخر، ضرورة أنّ ملاك التعارض هو عدم إمكان جعل الحكمين
ــ[495]ــ
معاً في مورد الاجتماع، ومن المعلوم أنّ هذا لا يتوقف على وجود ملاك لأحدهما فيه، لوضوح استحالة جعلهما معاً لشيء واحد، سواء فيه القول بتبعية الأحكام لجهات المصالح والمفاسد والقول بعدمها، فانّ خلاف الأشعري مع الإمامية إنّما هو في العقل العملي، أعني به التحسـين والتقبيح العقليين، ولأجل ذلك أنكر مسألة التبعية لابتنائها على تلك المسألة، أعني مسألة التحسين والتقبيح، لا في العقل النظري، أعني به إدراكه إمكان الأشياء واستحالتها، والمفروض أنّ جعل الحكمين المتضادين لشيء واحد محال عقلاً، وكذا الحال في مسألة التزاحم، فانّها لا تختص بوجهة نظر دون آخر، بل تعم جميع المذاهـب والآراء حتّى مذهب الأشعري، وذلك لما ذكرناه من أنّ مبدأ انبثاق المزاحمة بين الحكمين مع عدم التنافي بينهما في مقام الجعل إنّما هو عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مرحلة الامتثال. الثالثة: أنّ الدليل لا يكون متكفلاً لفعلية الحكم أصلاً، ضرورة أنّ فعليته تتبع فعلية موضوعه في الخارج وأجنبية عنه بالكلّية، فانّ مفاده ـ كما ذكرناه غير مرّة ـ ثبوت الحكم على نحو القضية الحقيقية، ولا نظر له إلى فعليته ووجوده في الخارج أصلاً، كما أ نّه لا يمكن أن يكون الدليل متكفلاً للحكم الاقتضائي وهو اشتمال الفعل على المصلحة والمفسدة، ضرورة أنّ بيان ذلك ليس من شأن الشارع ووظيفته، فانّ وظيفته بيان الأحكام الشرعية، لا بيان مصالح الأشياء ومفاسدها ومضارها ومنافعها، وبذلك ظهر ما في كلام المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) في المقدّمة التاسعة فلاحظ. الرابعة: أنّ ثمرة المسألة على القول بالجواز صحة العبادة في مورد الاجتماع مطلقاً ولو كان عالماً بالحرمة فضلاً عما إذا كان جاهلاً بها، ولكن خالف في ذلك شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وقال ببطلان العبادة في صورة العلم بالحرمة،
ــ[496]ــ
وبصحتها في صورة الجهل بها والنسيان، وأفاد في وجه ذلك ما حاصله: أ نّه لايمكن تصحيح العبادة بالأمر، لفرض أنّ متعلق الأمر هو الحصة الخاصة وهي الحصة المقدورة، ولا يمكن بالترتب لعدم جريانه في المقام، ولا يمكن بالملاك لفرض أنّ صدور المجمع منه قبيح، ومع القبح الفاعلي لا تصحّ العبادة، كما أ نّها لا تصح مع القبح الفعلي. فالنتيجة: أ نّه لا يمكن الحكم بصحة العبادة في مورد الاجتماع على هذا القول فضلاً عن القول بالامتناع، ولكن قد تقدّم أنّ نظريته (قدس سره) هذه خاطئة جداً ولم تطابق الواقع أصلاً، لما عرفت من أ نّه يمكن الحكم بصحتها من ناحية الأمر، لما عرفت من إطلاق المتعلق وعدم المقتضي لتقييده بخصوص الحصة المقدورة، ومن ناحية الترتب لما ذكرناه هناك من أ نّه لا مانع من الالتزام به في المقام أصلاً ومن ناحية الملاك، لما عرفت من عدم القبح الفاعلي بالاضافة إلى إيجاد ما ينطبق عليه المأمور به. الخامسة: قد ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) أ نّه تصحّ العبادة في مورد الاجتماع على القول بالجواز مطلقاً، أي في العبادات والتوصليات، وإن كان معصية للنهي أيضاً، وتبطل على القول بالامتناع مع العلم بالحرمة، وكذا مع الجهل بها إذا كان عن تقصير مع ترجيح جانب النهي، وتصح إذا كان عن قصور، ولكن قد ذكرنا سابقاً عدم تمامية جميع ما أفاده (قدس سره) فلاحظ. السادسة: أنّ الصحيح في المقام هو ما ذكرناه من صحة العبادة في مورد الاجتماع على القول بالجواز مطلقاً، أي بلا فرق بين كون المكلف عالماً بالحرمة أو جاهلاً بها أو ناسياً، وكذا بلا فرق بين كون الحرمة أهم من الوجوب أو بالعكس أو كونهما متساويين، وباطلة على القول بالامتناع مع ترجيح جانب النهي مطلقاً، أي من دون فرق بين العلم بالحرمة والجهل بها، كان جهله عن
ــ[497]ــ
قصور أو عن تقصير. نعم، صحيحة على هذا الفرض في صورة واحدة وهي صورة النسيان، كما أ نّها صحيحة على هذا القول مع ترجيح جانب الوجوب. السابعة: أنّ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) قد اختار في المسألة القول بالامتناع، بدعوى أنّ تعدد العنوان لا يستلزم تعدد المعنون، بل المعنون واحد في مورد الاجتماع وجوداً وماهيةً. ولكن قد عرفت أنّ ما أفاده لا يخرج عن مجرد الدعوى لفرض عدم إقامة برهان عليه، ولأجل ذلك قلنا إنّه لا يتم إلاّ على نحو الموجبة الجزئية. الثامنة: أنّ شيخنا الاُستاذ (قدس سره) قد اختار في المسألة القول بالجواز، بدعوى أنّ النسبة بين متعلقي الأمر والنهي إذا كانت عموماً من وجه فلا محالة يكون التركيب بينهما انضمامياً، لفرض أنّ جهة الصدق في صدق كل منهما في مورد الافتراق بعينها هي جهة الصدق في صدق كل منهما في مورد الاجتماع، وعليه فيستحيل اتحادهما في الخارج واندراجهما تحت حقيقة واحدة، وإلاّ لزم أن لا تكون جهة صدقهما في مورد الاجتماع تلك الجهة التي كانت في مورد الافتراق وهذا خلف. وهذا بخلاف ما إذا كانت النسبة بالعموم من وجه بين موضوعي الحكمين كقولنا: أكرم العالم ولا تكرم الفاسق، حيث إنّ النسبة بين العالم والفاسق عموم من وجه، فانّ التركيب بينهما في مورد الاجتماع لا محالة يكون اتحادياً وهو العالم الفاسق، لانطباق كلا العنوانين عليه، فلا يمكن أن يكون إكرامه واجباً وحراماً معاً. التاسعة: قد تقدّم أنّ نظرية شيخنا الاُستاذ (قدس سره) إنّما تتم في المبادئ المتأصلة والماهيات المقولية، فانّ تعدد العنوان منها يستلزم تعدد المعنون في الخارج لا محالة، لاستحالة أن يكون التركيب بينهما في مورد الاجتماع اتحادياً، وأمّا إذا كان أحـدهما عنواناً عرضياً والآخر ذاتياً أو كان كلاهما عنواناً
ــ[498]ــ
انتزاعياً، فلا يستلزم تعددهما تعدد المعنون، بل يمكن أن يكون المعنون واحداً ويمكن أن يكون متعدداً، ومن هنا قلنا إنّه لا ضابط للمسألة لا للقول بالامتناع ولا للقول بالجواز، بل لا بدّ من ملاحظة المجمع في كل مورد لنرى أ نّه واحد وجوداً وماهية أو متعدد كذلك، لنحكم على الأوّل بالامتناع وعلى الثاني بالجواز، ولأجل ذلك الصحيح هو القول بالتفصيل في المسألة في مقابل القول بالامتناع والجواز مطلقاً. نعم، ما ذكره (قدس سره) من أنّ النسبة بالعموم من وجه إذا كانت بين موضوعي الحكمين، فلا محالة يكون التركيب بينهما في مورد الاجتماع اتحادياً متين جداً، كما سبق بشكل واضح. العاشرة: أنّ الغصب عنوان انتزاعي وليس من الماهيات المقولية، بداهة أ نّه ينطبق على مقولات متعددة، فلو كان مقولة بنفسه يستحيل أن ينطبق على مقولة اُخرى. الحادية عشرة: قد تقدّم أنّ الصلاة بتمام أجزائها غير متحدة مع الغصب خارجاً، إلاّ في السجدة حيث إنّها متحدة معه في الخارج ومصداق له، وعلى هذا الضوء فالصلاة إذا لم تكن مشتملة عليها ذاتاً أو عرضاً أو كانت السجدة على أرض مباحة مثلاً أو مملوكة، فلا مانع من القول بالجواز أصلاً. الثانية عشرة: قد سبق أنّ الهوي والنهوض من مقدّمات الصلاة لا من أجزائها. الثالثة عشرة: أنّ الصحيح عدم سراية الحكم من متعلقه إلى ملازماته الخارجية التي يعبّر عنها بالتشخصات مسامحة. الرابعة عشرة: أنّ النسبة بالعموم من وجه لاتتصوّر بين جوهرين وعرضين
ــ[499]ــ
وجوهر وعرض، لفرض أ نّهما متباينان ماهية ووجوداً فلا يصدق أحدهما على ما يصدق عليه الآخر، وقد تقدّم أنّ النسبة كذلك إنّما تتصور بين عنوانين عرضيين وعنوان عرضي وذاتي. الخامسة عشرة: أنّ التركيب بين المادة والصورة حقيقي لا انضمامي، خلافاً لشيخنا الاُستاذ (قدس سره)، حيث يرى أنّ التركيب بينهما انضمامي، ولكن قد عرفت أنّ نظره (قدس سره) في ذلك خاطئ ولا يمكن تصديقه بوجه. بقي الكلام في اُمور: الأوّل: التوضؤ أو الاغتسال بالماء المغصوب. الثاني: التوضؤ أو الاغتسال من آنية الذهب أو الفضة. الثالث: التوضؤ أو الاغتسال من الاناء المغصوب. الرابع: التوضؤ أو الاغتسال في الدار المغصوبة. الخامس: التوضؤ أو الاغتسال في الفضاء المغصوب. أمّا الأوّل: فلا شبهة في القول بالامتناع وعدم جواز الوضوء أو الغسل منه، ضرورة استحالة أن يكون المنهي عنه مصداقاً للمأمور به، ولا يمكن فيه القول بالجواز أبداً، ولا مناص من تقديم دليل حرمة التصرف فيه على دليل وجوب الوضوء أو الغسل، وذلك لما ذكرناه غير مرّة من أنّ وجوب الوضوء والغسل مشروط بوجدان الماء بمقتضى الآية المباركة، وقد قلنا إنّ المراد منه وجوده الخاص من جهة القرينة الداخلية والخارجية، وهو ما يتمكن المكلف من استعماله عقلاً وشرعاً، والمفروض في المقام أنّ المكلف لا يتمكن من استعماله شرعاً وإن تمكن عقلاً، ومعه يكون فاقداً له، فوظيفة الفاقد هو التيمم دون الوضوء أو الغسل، وعليه فلا بدّ من الالتزام بفساد الوضوء أو الغسل به
ــ[500]ــ
مطلقاً حتّى في حال الجهل، ضرورة أنّ التخصيص واقعي والجهل بالحرمة لايوجب تغيير الواقع وصيرورة الحرام واجباً ولو كان عن قصور، وهذا واضح. نعم، لو كان المكلف ناسياً لكون هذا الماء مغصوباً فتوضأ أو اغتسل به فلا إشكال في صحة وضوئه أو غسله إذا كان نسيانه عن قصور لا عن تقصير، والوجه في ذلك: هو أنّ النسيان رافع للتكليف واقعاً فلا يكون الناسي مكلفاً في الواقع، وهذا بخلاف الجهل فانّه رافع للتكليف ظاهراً، فيكون الجاهل مكلفاً في الواقع، وعليه فترتفع حرمة التصرف في هذا الماء واقعاً من ناحية النسيان، ومعه لا مانع من شمول إطلاق دليل وجوب الوضوء له، فانّ المانع عن شموله هو حرمة التصرف فيه، والمفروض أ نّها قد ارتفعت واقعاً من ناحية النسيان، ومع ارتفاعها لا محالة يشمله لفرض عدم المانع منه حينئذ أصلاً، ومعه لا محالة يكون صحيحاً. نعم، لو كان نسيانه عن تقصير كما هو الحال في أكثر الغاصبين، فلا يمكن الحكم بصحته، وذلك لأنّ الحرمة وإن ارتفعت واقعاً من جهة نسيانه، إلاّ أنّ ملاكه باق وهو المبغوضية، ومعه لا يمكن التقرب به. فالنتيجة: أنّ التوضؤ أو الاغتسال بهذا الماء غير صحيح في صورة الجهل ولو كان عن قصور، وصحيح في صورة النسيان إذا كان كذلك.
|