حكم الصلاة في الغصب عند الاضطرار مع المندوحة - وجوب التخلص عن الغصب عند ارتفاع الاضطرار 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4737

أقول: الأمر كما أفاده (قدس سره) فانّه لو حرم عليه جميع الحركات والتقلبات فيها حتى مثل حركة اليد وما شاكلها فهذا كان غاية الضيق عليه وأشد مما حبسه الظالم، ومن الواضح جداً أنّ ذلك مناف لرفع الشارع حرمة التصرف عنه امتناناً، ضرورة أنّ في ذلك ليس أيّ امتنان بل هو خلاف الامتنان، كيف فانّ الانسان لا يخلو من مثل هذه التصرفات والتقلبات أبداً، فانّها من لوازم حياته، وأنّ الانسان الحي لا يخلو منها في زمان من الأزمنة، ومع هذا لا يمكن الحكم بحرمة هذه التقلبات والاقتصار على مقدار يتوقف عليه حفظ نفسه، ضرورة أنّ هذا أشد ظلماً مما فعله الظالم.
وأمّا المقام الثاني: وهو ما إذا كان المكلف متمكناً من التخلص عن الغصب في الوقت، فيقع الكلام فيه في موردين:
الأوّل: ما إذا كان المكلف متمكناً من الصلاة في خارج الدار لبقاء الوقت، وهذا الفرض وإن كان خارجاً عن محل الكلام إلاّ أ نّه لا بأس بالتعرض له لمناسبة.
الثاني: ما إذا لم يتمكن من الصلاة في الخارج لضيق الوقت وعدم تمكنه من إدراك تمام الصلاة فيه.
أمّا المورد الأوّل: فلا إشكال في لزوم الخروج عليه والتخلص عن الغصب في أوّل أزمنة الامكان عقلاً وشرعاً، ولا يجوز له البقاء فيها آناً ما بعد تمكنه من الخروج، لأ نّه تصرف زائد على مقدار تقتضيه الضرورة.

 
 

ــ[61]ــ

وعلى الجملة: فكل من العقل والشرع ألزم المكلف بالتخلـص عن الدار المغصوبة والخروج عنها في أوّل زمن الامكان ورفع الاضطرار، فلو بقي بعد ذلك ولو آناً ما فقد ارتكب محرّماً، لفرض أ نّه تصرّف فيها بغير اضطرار، ومن المعلوم أنّ تصرفه فيها بدونه محرّم على الفرض، هذا حكم التخلص والخروج.
ومن هنا يظهر أ نّه لا يجوز الاتيان بالصلاة، لأ نّه يوجب زيادة البقاء فيها والتصرف بلا موجب ومقتض، ومن الواضح أ نّه غير جائز. وأمّا إذا فرض أ نّه عصى وأتى بالصلاة فيها فهل يحكم بصحة صلاته أم لا، فهو مبني على النزاع في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه، فعلى القول بالجواز يحكم بصحتها، لفرض ا نّه على هذا القول يكون المجمع متعدداً وجوداً وماهيةً، فيكون مصداق المأمور به غير المنهي عنه خارجاً، ومجرد ملازمته معه في الوجود الخارجي لا يمنع عن انطباق المأمور به عليه وصحته، كما تقدّم الكلام من هذه الناحية بشكل واضح، وعلى القول بالامتناع يحكم ببطلانها، لفرض أ نّه على هذا يكون مصداق المأمور به متحداً مع المنهي عنه خارجاً، ومعه ـ أي مع الاتحاد ـ لا يمكن الحكم بالصحة أبداً، لاستحالة كون المحرّم مصداقاً للواجب كما سبق ذلك بصورة مفصّلة، هذا حكم الصلاة في الدار المغصوبة بعد رفع الاضطرار.
وأمّا الصلاة فيها قبل رفع الاضطرار، فعلى وجهة نظرنا لا إشكال في جواز الاتيان بها وعدم وجوب تأخيرها لأن يؤتى بها في خارج الدار، والوجه في ذلك واضح، وهو ما ذكرناه من أنّ الصلاة مع الركوع والسجود ليست تصرفاً زائداً على مقدار تقتضيه الضرورة، ومن هنا قلنا إنّ وظيفة غير المتمكن من التخلص عن الغصب هي الصلاة مع الركوع والسجود، وليست وظيفته الصلاة مع الايماء بدلاً عنهما، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: المفروض جواز

ــ[62]ــ

تصرف المتوسط في الدار المغصوبة بغير اختياره بمقدار تقتضيه الضرورة، لفرض ارتفاع حرمته من ناحية الاضطرار أو نحوه. ومن ناحية ثالثة: قد تقدم أ نّه لا فرق بين أن يكون المكلف فيها على هيئة واحدة ووضع فارد أو على هيئات متعددة وأوضاع مختلفة، وليس كون المكلف على هيئات متعددة تصرّفاً زائداً بالاضافة إلى كونه على هيئة واحدة، كما سبق بشكل واضح.
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي الثلاث: هي جواز الصلاة فيها مع الركوع والسجود، وعدم وجوب تأخيرها إلى أن يرتفع الاضطرار ويأتي بها في خارج الدار.
وأمّا على وجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) فلا تجوز الصلاة فيها مع التمكن من الاتيان بها في خارج الدار، والوجه فيه ما عرفت(1) من أنّ الركوع عنده من التصرف الزائد بالاضافة إلى مقدار الضرورة فلا يجوز، فإذن لا محالة وجب الاقتصار على خصوص الايماء في الصلاة وترك الركوع والسجود، ولكن بما أنّ المكلف متمكن من الصلاة معهما في غير المكان المغصوب كما هو المفروض، فلا تنتقل وظيفته إلى الصلاة مع الايماء فيه، ضرورة أ نّها وظيفة المضطر وغير المتمكن من الصلاة في تمام الوقت، والمفروض في المقام أنّ المكلف متمكن من الصلاة في الوقت مع الركوع والسجود، ومن الواضح جداً أ نّه مع هذا لا تنتقل وظيفته إلى بدلها الاضطراري وهو الصلاة مع الايماء، ضرورة أ نّها غير مشروعة في حق المتمكن من الاتيان بصلاة المختار.
نعم، لو كان مجرد الاضطرار كافياً في ذلك ولو لم يكن مستوعباً لتمام الوقت لكان الاتيان بها مجزئاً لا محالة، إلاّ أنّ ذلك باطل قطعاً، ضرورة أنّ الاضطرار
ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 55.

ــ[63]ــ

الرافع للتكليف إنّما يكون رافعاً فيما إذا كان مستوعباً لتمام الوقت ليصدق عليه أ نّه مضطر إلى ترك الواجب لينتقل الأمر إلى بدله، وأمّا إذا كان الاضطرار إلى ترك الواجب في بعض الوقت دون بعضه الآخر فلا يصدق عليه أ نّه مضطر إلى ترك الواجب. نعم، يصدق عليه أ نّه مضطر إلى ترك بعض أفراده، لفرض أنّ الواجب هو الجامع بين الحدّين، والمفروض أنّ الاضطرار لم يتعلق بتركه، وما تعلق به الاضطرار لا يكون واجباً.
وقد تحصّل من ذلك: أنّ هذه الثمرة التي تظهر بين وجهة نظرنا ووجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) نتيجة الاختلاف في نقطة واحدة، وهي أنّ الركوع والسجود على وجهة نظره (قدس سره) من التصرف الزائد، وعلى وجهة نظرنا ليسا من التصرف الزائد.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net