الصلاة حال الخروج من الغصب 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4871

أمّا المورد الثاني: وهو ما إذا لم يتمكن المكلف من الصلاة في خارج الدار لضيق الوقت، فلا إشكال في وجوب الصلاة عليه حال الخروج، لفرض أنّ الصلاة لا تسقط بحال، ولكن بما أ نّه كان في مقام التخلص عن الغصب فلا محالة وجب الاقتصار في الصلاة على خصوص الايماء بدلاً عن الركوع والسجود، لاستلزامهما التصرف الزائد على قدر الضرورة ولا مسوّغ له، ولأجل ذلك تنتقل الوظيفة من صلاة المختار إلى صلاة المضطر وهي الصلاة مع الايماء والاشارة.
وإن شئت فقل: إنّه لا يجوز للمكلف في هذا الحال الركوع والسجود. أمّا عدم جواز السجود في هذا الحال فواضح، وذلك لما تقدّم من أ نّه متحد مع الغصب خارجاً باعتبار أنّ الاعتماد على الأرض مأخوذ في مفهومه، والمفروض أ نّه نحو تصرّف فيها، فإذن يتحد المأمور به مع المنهي عنه، ومع الاتحاد لا يمكن الحكم بصحته، لاستحالة أن يكون المحرّم مصداقاً للمأمور به

ــ[64]ــ

وعليه فلا محالة تكون وظيفته الايماء دون السجدة.
وأمّا الركوع، فهو وإن لم يكن بنفسه تصرفاً في مال الغير، لما عرفت من أ نّه عبارة عن هيئة حاصلة للمصلي من نسـبة بعض أجزائه إلى بعضها الآخر ونسبة المجموع إلى الخارج، إلاّ أ نّه مستلزم للبقاء فيها وهو تصرف زائد على مقدار الضرورة، فإذن تقع المزاحمة بين وجوب الصلاة مع الركوع وبين حرمة التصرف في مال الغير، فلا بدّ من الرجوع إلى مرجحات باب المزاحمة، ولكن بما أنّ وجوب الصلاة مع الركوع خاصة مشروط بالقدرة شرعاً، لما تقدّم في بحث الضد(1) من أنّ الأركان بعرضها العريض وإن كانت غير مشروطة بالقدرة الشرعية، إلاّ أنّ كل مرتبة منها مشروطة بها، فعليه تتقدّم حرمة التصرف في مال الغير على وجوبه من ناحية ما ذكرناه من أ نّه إذا وقعت المزاحمة بين ما هو المشروط بالقدرة شرعاً وما هو المشروط بالقدرة عقلاً، فيتقدّم ما هو المشروط بالقدرة عقلاً على ما هو المشروط بها شرعاً، على تفصيل تقدّم في مسألة الضد.
فالنتيجة هي وجوب الاقتصار على الايماء في الصلاة للركوع والسجود.
نعم، لو تمكن المكلف من الاتيان بهما في الصلاة من دون استلزامه للتصرف الزائد لوجب ذلك، كما إذا فرض أنّ خروجه من الأرض المغصوبة بالسيارة أو الطيارة أو السفينة أو ما شاكل ذلك، فانّ الركوع والسجود في مثل ذلك لا يستلزمان التصرف الزائد، كما هو واضح، فإذن تتعين الصلاة بهما ولا يجوز الاقتصار على الايماء، لفرض أ نّه بدل اضطراري عنهما ومع تمكن المكلف من الاتيان بهما لا تصل النوبة إلى بدلهما الاضطراري، كما هو واضح.
ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص 133.

ــ[65]ــ

نتيجة ما ذكرناه عدّة نقاط:
الاُولى: أ نّه لا إشكال في سقوط الحرمة واقعاً من ناحية الاضطرار أو نحوه، وليس حاله حال الجهل الرافع للتكليف ظاهراً لا واقعاً.
الثانية: أ نّه لا شبهة في صحة العبادة فيما إذا لم تكن متحدةً مع الفرد المحرّم المضطر إليه، لما عرفت من أنّ العبادة صحيحة على هذا الفرض فيما إذا كانت الحرمة باقية بحالها فضلاً عما إذا سقطت.
الثالثة: أنّ الظاهر صحة العبادة فيما إذا فرض كونها متحدةً مع المحرّم المضطر إليه، وذلك لما عرفت من أنّ المانع عن صحتها إنّما هو حرمتها، فإذا فرض أ نّها سقطت بالاضطرار أو نحوه واقعاً فلا مانع عندئذ من صحتها أصلاً كما تقدّم.
الرابعة: أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أنّ دلالة النهي على حرمة شيء في عرض دلالته على تقييد المأمور به بعدمه، وليست متقدمةً عليها، قد تقدّم فساده بشكل واضح، وقلنا هناك إنّ حرمة شيء وعدم وجوبه وإن كانا في رتبة واحدة بحسب مقام الثبوت والواقع، لعدم ملاك لتقدم أحدهما على الآخر، إلاّ أ نّهما بحسب مقام الاثبات والدلالة ليسا كذلك، فانّ دلالة النهي على الحرمة في مرتبة متقدمة على دلالته على عدم الوجوب والتقييد، بداهة أنّ الدلالة الالتزامية متفرّعة على الدلالة المطابقية.
الخامسة: أ نّه تظهر الثمرة بين وجهة نظرنا ووجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في جواز التمسك بالاطلاق وعدمه، فانّه بناءً على وجهة نظرنا بما أنّ دلالة النهي على التقييد وعدم الوجوب متفرعة على دلالته على الحرمة فلا محالة تسقط بسقوط دلالته عليها، ومن المعلوم أ نّه مع سقوط التقييد لا مانع

ــ[66]ــ

من التمسك بالاطلاق. وبناءً على وجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) بما أنّ دلالته على التقييد وعدم الوجوب في عرض دلالته على الحرمة، فلا تسقط بسقوط تلك الدلالة، ومع عدم السقوط لا يمكن التمسك بالاطلاق.
السادسة: قد تقدّم أنّ رفع الحكم من ناحية الاضطرار بما أ نّه يكون للامتنان، فيدل على ثبوت المقتضي والملاك له، وإلاّ فلا معنى للامتنان أصلاً، وهذا بخلاف رفع الحكم في غير موارد الامتنان، فانّه لا يدل على ثبوت مقتضيه، ضرورة أ نّه كما يمكن أن يكون من جهة المانع مع ثبوت المقتضي له، يمكن أن يكون من جهة عدم المقتضي له، فلا دليل على أ نّه من قبيل الأوّل، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: قد سبق أنّ هذا الملاك بما أ نّه غير مؤثر في المبغوضية والحرمة فلا يمنع عن صحة العبادة وقصد التقرب بها.
السابعة: أنّ الوضوء أو الغسل من الماء المغصوب في صورة الاضطرار إلى التصرف فيه صحيح مطلقاً، أي بلا فرق بين وجود المندوحة وعدمه كما سبق.
الثامنة: أنّ الصلاة في الأرض المغصوبة لا تسقط عن المتوسط فيها بغير اختياره على القاعدة على وجهة نظرنا، لما عرفت من أنّ الصلاة فيها مع الركوع والسجود ليست تصرفاً زائداً على الكون فيها بدون الصلاة، وعليه فلا موجب لسقوطها أصلاً، كما أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية سقوطها عنه على وجهة نظر جماعة منهم شيخنا الاُستاذ (قدس سره) ولكنّ القاعدة الثانوية تقتضي وجوب الاتيان بالباقي من الأجزاء والشرائط، والوجه فيه: ما تقدّم من أنّ الركوع والسجود بنظرهم من التصرف الزائد عرفاً فلا يجوز، فإذن لا محالة يسقطان عنه، ومع سقوطهما لا محالة يسقط الأمر عن الصلاة، ولكن دلّ دليل آخر على وجوب الاتيان بها مع الايماء بدلاً عنهما.

ــ[67]ــ

التاسعة: أنّ كل جسم يشغل المكان بمقدار حجمه من الطول والعرض والعمق، ولا يختلف ذلك ـ أي مقدار تحيزه وشغله المكان ـ باختلاف هيئاته وأوضاعه عقلاً وعرفاً، خلافاً لشيخنا الاُستاذ (قدس سره) حيث إنّه قد فصّل بين نظر العرف والعقل، فذهب إلى أنّ اختلاف الجسم باختلاف الهيئات ليس تصرفاً زائداً بالدقّة العقلية، ولكنّه تصرف زائد بالنظر العرفي. ولكن قد عرفت فساده بشكل واضح.
العاشرة: أنّ الصلاة في حال الخروج لا بدّ فيها من الاقتصار على الايماء بدلاً عن الركوع والسجود، لفرض أ نّهما مستلزمان للتصرف الزائد على قدر الضرورة، إلاّ فيما إذا فرض أ نّهما لا يستلزمان له، كما إذا كان خروجه بالسيارة أو نحـوها. ومن هنا تكون مشروعية هـذه الصلاة أعني الصلاة مع الايماء منوطة بعدم تمكن المكلف من إدراك الصلاة في الوقت في خارج الأرض، وإلاّ فلا تكون مشروعة، ضرورة أنّ المكلف مع التمكن من الاتيان بصلاة المختار لا يسوغ له الاتيان بصلاة المضطر، وكذا منوطة بعدم تمكنه من الصلاة في الأرض المغصوبة.
وذلك أمّا على وجهة نظرنا، فلما عرفت من أ نّه متمكن فيها من الصلاة مع الركوع والسجود الاختياريين من دون استلزامهما للتصرف الزائد، ومعه لا محالة تكون وظيفته هي صلاة المختار دون صلاة المضطر. نعم، لو أخّرها ولم يأت بها إلى زمان خروجه عنها فوجب عليه الاتيان بصلاة المضـطر، وهي الصلاة مع الايماء، لفرض أ نّها لا تسقط بحال، ولكنه عصى في تأخيره وتفويت الواجب عليه، إلاّ إذا فرض أنّ تأخيره كان لعذر شرعي.
وأمّا على وجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) فلأجل أنّ الصلاة حال

ــ[68]ــ

الخروج تستلزم تفويت الاستقرار المعتبر فيها، ومن المعلوم أنّ المكلف إذا تمكن من الصلاة مع الاستقرار، فلو صلى بدونه بطلت لا محالة، وعليه فلا يجوز له تأخيرها إلى زمان الخروج، لاستلزام ذلك تفويت الاستقرار باختياره وهو غير جائز، إلاّ إذا كان التأخير مستنداً إلى عذر شرعي. وعلى الجملة: فالصلاة في حال الخروج إذا كانت مستلزمة لتفويت شرط من شرائطها كالاستقرار أو الاستقبال دون الصلاة في الدار فيجب إتيانها في الدار.
الحادية عشرة: قد ظهر مما تقدّم أ نّه بناءً على وجهة نظرنا تصحّ الصلاة من المتوسط فيها بغير اختياره مطلقاً ـ أي بلا فرق بين كون المكلف متمكناً من الصلاة في الوقت في خارج الدار، وبين كونه غير متمكن منها كذلك ـ أمّا على الثاني فواضح، وأمّا على الأوّل فلفرض أ نّه متمكن من الاتيان بالصلاة التامة الأجزاء والشرائط، ومعه لا موجب للتأخير والاتيان بها في خارج الدار.
نعم، بناءً على وجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وجب التأخير في هذا الفرض، لأنّ المكلف على هذه النظرية لا يتمكن من صلاة المختار في الدار، لفرض أنّ الركوع والسجود تصرّف زائد عليها، والانتقال إلى صلاة المضطر مع التمكن من صلاة المختار لا دليل عليه، إلى هنا انتهى الكلام في المقام الأوّل.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net