حكم الصلاة حال الخروج من الغصب 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4814


ــ[103]ــ
 

[ حكم الصلاة حال الخروج ]

أمّا الكلام في المورد الثاني، وهو حكم الصلاة الواقعة حال الخروج، فيقع في عدة موارد:
الأوّل: ما إذا كان المكلف غير متمكن من الصلاة في خارج الدار أصلاً، لا مع الركوع والسجود ولا مع الايماء، لضيق الوقت أو نحوه.
الثاني: أن يتمكن من الصلاة مع الايماء فيه، ولا يتمكن من الصلاة مع الركوع والسجود.
الثالث: أن يتمكن من الصلاة في الخارج مع الركوع والسجود لسعة الوقت.
أمّا الكلام في المورد الأوّل: فيجوز له الصلاة حال الخروج، ولكن يقتصر فيها على الايماء بدلاً عن الركوع والسجود، وذلك لاستلزامهما التصرف الزائد على قدر الضرورة، ومعه لا محالة تنتقل الوظيفة إلى بدلهما وهو الايماء، هذا على القول بالجواز وتعدد المجمع في مورد الاجتماع وجوداً وماهية. وأمّا على القول بالامتناع وفرض وحدة المجمع وجوداً فمقتضى القاعدة الأوّلية عدم جواز إيقاع الصلاة حال الخروج، لفرض أنّ الحركات الخروجية متحدة مع الصلاة خارجاً، ومعه لا يمكن التقرب بها، ضرورة استحالة التقرب بما هو مبغوض للمولى، ولكن مقتضى القاعدة الثانوية هو لزوم الاتيان بها، لأ نّها لا تسقط بحال، ومردّ ذلك إلى سقوط المبغوضية عن تلك الحركات بمقدار زمان تسع الصلاة فيه.
وبكلمة اُخرى: أنّ من دخل الدار المغصوبة بسوء اختياره ولا يتمكن من

ــ[104]ــ

الخروج عنها لمانع من سدّ باب أو نحوه إلى أن ضاق وقت الصلاة، فعندئذ على القول بالجواز وتعدد المجمع لا إشكال في صحة الصلاة بناءً على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى لازمه، لفرض أنّ مصداق المأمور به غير متحد مع مصداق المنهي عنه، ومعه لا مانع من التقرب به أصلاً، وإن كان المكلف مستحقاً للعقاب من ناحية أنّ تصرّفه في مال الغير بدون إذنه منته إلى الاختيار.
والاشكال إنّما هو على القول بالامتناع واتحاد الصلاة مع الحركات الخروجية، وحاصله: أنّ الحرمة في المقام وإن سقطت من ناحية الاضطرار، ضرورة أنّ بقاء الحرمة في هذا الحال مع عدم تمكن المكلف من الترك ـ أي ترك الحرام ـ لغو محض وتكليف بما لا يطاق، إلاّ أنّ مبغوضيتها باقية، ومن المعلوم أ نّها تمنع عن قصد التقرب، ضرورة استحالة التقرب بما هو مبغوض عند المولى، وعلى هذا فلا يمكن الحكم بصحة الصلاة، لفرض أ نّها مبغوضة فيستحيل أن يكون مقرّباً، هذا ما تقتضيه القاعدة الأوّلية، فلو كنّا نحن وهذه القاعدة ولم يكن هنا دليل آخر يدل على وجوب الصلاة وعدم سقوطها بحال، لقلنا بسقوطها وعدم وجوبها في المقام.
ولكن من جهة دليل آخر وأ نّها لا تسـقط بحال، نلتزم بوجوبها وعدم سقوطها في هذا الحال أيضاً، ولازم ذلك هو سقوط المبغوضية، بمعنى أنّ الصلاة في هذا الحال ليست بمبغوضة بل هي محبوبة فعلاً وقابلة للتقرب بها، ولكن لا بدّ عندئذ من الالتزام بارتفاع المبغوضية عن هذه الحركات التي تكون مصداقاً للصلاة بمقدار زمان يسع الصلاة دون الزائد على ذلك، فانّ الضرورات تتقدر بقدرها، لوضوح أنّ ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال من ناحية وعدم إمكان الحكم بصحتها هنا مع فرض بقاء المبغوضية من ناحية اُخرى

ــ[105]ــ

أوجب الالتزام بسقوط تلك المبغوضية عن هذه الحركات الصلاتية لا محالة في زمان يسع لها فحسب لا مطلقاً، لعدم المقتضي لارتفاع المبغوضية عنها في الزائد على هذا المقدار من الزمان، بل هي باقية على حالها من المبغوضية.
وإن شئت فقل: إنّ المقتضي للالتزام بسقوط المبغوضية أمران:
الأوّل: وجوب الصلاة في هذا الحال وعدم سقوطها عن المكلف على الفرض.
الثاني: عدم إمكان الحكم بصحة الصلاة مع بقاء المبغوضية، ضرورة استحالة التقرب بما هو مبغوض، فعندئذ لو لم نلتزم بسقوط المبغوضية عنها في زمان يسع لفعلها للزم التكليف بما لا يطاق وهو محال، ولأجل ذلك لا بدّ من الالتزام بسقوطها، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يقتضي إلاّ جواز التصرف بمقدار زمان يسع لفعل الصلاة فحسب، وأمّا الزائد عليه فلا مقتضي للجواز وارتفاع المبغوضية أصلاً، هذا بناءً على وجهة نظر الأصحاب من القول بالجواز أو الامتناع في مسألة الاجتماع.
وأمّا بناءً على ما حققناه هناك من أنّ أجزاء الصلاة لا تتحد مع الغصب خارجاً ما عدا السجدة، باعتبار أنّ مجرد مماسة الجبهة الأرض لا يكفي في صدقها بل لا بدّ فيها من الاعتماد على الأرض، وبدونه لا تصدق السجدة، ومن المعلوم أ نّه تصرف في مال الغير بدون إذنه وهو مبغوض للمولى فلا يمكن التقرب به. نعم، نفس هيئة السجود ليست تصرفاً فيه، فانّها من هذه الناحية كهيئة الركوع والقيام والقعود، وقد ذكرنا أنّ هذه الهيئات التي تعتبر في الصلاة ليس شيء منها متحداً مع الكون في الأرض المغصوبة ومصداقاً للغصب.
نعم، الحركات المتخللة بينها كالهوي والنهوض وإن كانت تصرّفاً فيها

ــ[106]ــ

ومصداقاً له، إلاّ أ نّها ليست من أجزاء الصلاة، فما هو من أجزائها غير متحد مع الغصب خارجاً، وما هو متحد معه ليس من أجزائها، وقد سبق الكلام في كل ذلك بشكل واضح، فعندئذ لا مانع من الحكم بصحة الصلاة هنا أصلاً، وإن قلنا بفسادها في غير حال الخروج من ناحية السجدة أو الركوع أو من ناحية مقدماتهما، ومعه لا حاجة إلى التماس دليل آخر يدل على وجوبها في هذا الحال، وذلك لأنّ الصلاة في حال الخروج في مفروض المقام ليست إلاّ مشتملة على التكبيرة والقراءة والايماء بدلاً عن الركوع والسجود، ومن الطبيعي أ نّه ليس شيء منها تصرّفاً في مال الغير عرفاً ومصداقاً للغصب.
أمّا التكبيرة والقراءة، فلأ نّهما من مقولة الكيف المسموع، ومن الواضح أ نّه لا صلة لها بالتصرف في مال الغير أصلاً، كما أ نّه من الواضح أ نّه لا يعدّ تموج الهواء وخرقه الناشئ من الصوت تصرّفاً.
وأمّا الايماء للركوع والسجود فأيضاً كذلك، ضرورة أ نّه لا يعدّ تصرفاً في ملك الغير عرفاً ليكون مبغوضاً. نعم، لا تجوز الصلاة في هذا الحال مع الركوع والسجود لاستلزامهما التصرف الزائد وهو غير جائز، فإذن لا محالة تنتقل الوظيفة إلى الايماء كما عرفت.
فالنتيجة: أنّ الصلاة مع الايماء في حال الخروج صحيحة مطلقاً من دون حاجة إلى التماس دليل آخر، ومع الركوع والسجود باطلة.
وأمّا الكلام في المورد الثاني: وهو ما إذا لم يكن المكلف متمكناً من الصلاة في خارج الأرض المغصوبة إلاّ مع الايماء للركوع والسجود، فقد ظهر أ نّه على القول بالجواز في المسألة وتعدد المجمع في مورد الاجتماع وجوداً وماهية كما حققناه الآن، فلا إشكال في صحة الصلاة حال الخروج، بناءً على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى لازمه، والوجه في هذا

ــ[107]ــ

واضح، وهو أنّ الصلاة حال الخروج ليست مصداقاً للغصب وتصرّفاً في مال الغير على الفرض، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أ نّها لا تستلزم التصرف الزائد على نفس الخـروج، لفرض أ نّها غير مشتملة على الركوع والسجود المستلزمين له. ومن ناحية ثالثة: أنّ المكلف غير قادر على الصلاة التامة الأجزاء والشرائط في خارج الدار، لتكون هذه الصلاة ـ أعني الصلاة مع الايماء حال الخروج ـ غير مشروعة في حقّه، لأ نّها وظيفة العاجز دون القادر.
فالنتيجة على ضوء ذلك: هي أ نّه لا مناص من الالتزام بصحة هذه الصلاة في هذا الحال أعني حال الخروج. وأمّا بناءً على القول بالامتناع وفرض اتحاد الصلاة مع الغصب خارجاً فلا تجوز الصلاة حال الخروج، بل لا بدّ من الاتيان بها خارج الدار، وذلك لفرض أ نّها مصداق للغصب ومبغوض للمولى، ومعه لا يمكن التقرب بها لاستحالة التقرب بما هو مبغوض.
وأمّا الكلام في المورد الثالث: وهو ما إذا كان المكلف متمكناً من الصلاة التامة الأجزاء والشرائط في خارج الدار، فلا إشكال في لزوم إتيانها في الخارج وعدم جواز إتيانها حال الخروج ولو على القول بالجواز في المسألة، والوجه في ذلك ظاهر، وهو أنّ المكلف لو أتى بها في هذا الحال لكان عليه الاقتصار على الايماء للركوع والسجود، ولا يجوز له الاتيان بها معهما، لاستلزامهما التصرف الزائد على قدر الضرورة وهو غير جائز، فإذن لا بدّ من الاقتصار على الايماء، ومن الواضح جداً أنّ من يتمكن من المرتبة العالية من الصلاة وهي الصلاة مع الركوع والسجود لا يجـوز له الاقتصار على المرتبة الدانية وهي الصلاة مع الايماء، ضرورة أ نّها وظيفة العاجز عن المرتبة الاُولى، وأمّا وظيفة المتمكن منها فهي تلك المرتبة لا غيرها، لوضوح أ نّه لا يجوز الانتقال من هذه المرتبة، أعني المرتبة العالية إلى غيرها من المراتب إلاّ في صورة العجز عن الاتيان بها.

ــ[108]ــ

وإن شئت فقل: إنّ الواجب على المكلف هو طبيعي الصلاة الجامع بين المبدأ والمنتهى، والمفروض أنّ المكلف قادر على إتيان هذا الطبيعي بينهما، ومعه لا محالة لا تنتقل وظيفته إلى صلاة العاجز والمضطر وهي الصلاة مع الايماء كما هو واضح، هذا على القول بالجواز. وأمّا على القول بالامتناع فالأمر أوضح من ذلك، لأ نّه لو قلنا بجواز الصلاة حال الخروج في هذا الفرض ـ أي فرض تمكنه من الصلاة المختارة في خارج الدار ـ على القول بالجواز فلا نقول به على هذا القول، لفرض أنّ الصلاة على هذا متحدة مع الغصب خارجاً ومصداق له، ومعه لا يمكن التقرب بها، بداهة استحالة التقرب بالمبغوض.
وعلى الجملة: فالمانع على القول بالامتناع أمران: أحدهما مشترك فيه بينه وبين القول بالجواز، وهو أنّ الصلاة مع الايماء ليست وظيفة له، وثانيهما مختص به، وهو أنّ الصلاة على هذا القول متحدة مع الحركة الخروجية التي هي مصداق للغصب، ومعه لا يمكن أن تقع مصداقاً للمأمور به.
ثمّ لا يخفى أنّ الصلاة في حال الخروج مع عدم التمكن منها مع الركوع والسجود في الخارج على وجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) تقع صحيحة مطلقاً، أي بلا فرق في ذلك بين
القول بالامتناع في المسألة والقول بالجواز، وذلك لأنّ الحركات الخروجية على وجهة نظره (قدس سره)(1) محبوبة للمولى وواجبة من ناحية انطباق عنوان التخلية عليها، وعلى هذا فلا محالة تقع الصلاة صحيحة، وإن كانت متحدة مع تلك الحركات خارجاً، لفرض أ نّها ليست بمبغوضة لتكون مانعة عن صحتها والتقرب بها، بل هي محبوبة. نعم لو استلزمت الصلاة في هذا الحال تصرّفاً زائداً فلا تجوز، وهذا واضح.
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 193.

ــ[109]ــ

فالنتيجة: أنّ نظريتنا تفترق عن نظرية شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في الصلاة حال الخروج، فانّ الحركات الخروجية على وجهة نظرنا مبغوضة وموجبة لاستحقاق العقاب عليها، ولذا تقع الصلاة فاسدة في صورة اتحادها معها خارجاً، وعلى وجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) محبوبة وتقع الصلاة في هذا الفرض صحيحة، هذا تمام الكلام في مسألة الاضطرار.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net