الثالثة: أنّ محل النزاع في المسألة إنّما هو في النواهي المولوية المتعلقة بالعبادات والمعاملات، وأمّا النواهي الارشادية المتعلقة بهما التي تدل على مانعية شيء لهما كالنهي عن المعاملة الغررية مثلاً وكالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمـه وما
ــ[136]ــ
شاكل ذلك فهي خارجة عن محل النزاع جزماً، والسبب فيه ظاهر وهو أ نّه لا إشكال ولا خلاف في دلالة تلك النواهي على الفساد، بداهة أ نّه إذا اُخذ عدم شيء في عبادة أو معاملة فبطبيعة الحال تقع تلك العبادة أو المعاملة فاسدةً عند اقترانها بهذا الشيء، لفرض أ نّها توجب تقييد إطلاق أدلة العبادات والمعاملات بغير هذه الحصة فلا تشملها. وعلى الجملة: فحال هذه النواهي حال الأوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط في أبواب العبادات والمعاملات، وقد ذكرناه في أوّل بحث النواهي(1) بصورة موسعة، وقلنا هناك إنّ الأمر والنهي في نفسهما وإن كانا ظاهرين في المولوية فلا يمكن حملهما على الارشاد من دون قرينة إلاّ أنّ هذا الظهور ينقلب في هذه النواهي والأوامر، وعليه فلا محالة يكون مثل هذا النهي إذا تعلق بعبادة أو معاملة مقيداً لاطلاق أدلتهما بغير هذه الحصة المنهي عنها،ومن هنا لم يقع خلاف فيما نعلم في دلالته على الفساد فيهما. أمّا في الاُولى، فلفرض أ نّها لا تنطبق على تلك الحصة، ومع عدم الانطباق لا يمكن الحكم بالصحة حيث إنّها تنتزع من انطباق المأمور به على الفرد المأتي به خارجاً. وأمّا في الثانية، فلفرض عدم شمول دليل الامضاء لها وبدونه لا يمكن الحكم بالصحة. ـــــــــــــــــــــ (1) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص 307.
|