مفهوم الشرط \ توقف ثبوت المفهوم للشرط على إثبات اُمور أربعة 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 8858

 

مفهوم الشرط

اختلف الأصحاب في دلالة القضية الشرطية على المفهوم وعدم دلالتها عليه، وليعلم أنّ دلالتها على المفهوم ترتكز على ركائز.
الاُولى: أن يرجع القيد في القضية إلى مفاد الهيئة دون المادة، بأن يكون مفادها تعليق مضمون جملة على مضمون جملة اُخرى.
الثانية: أن تكون ملازمة بين الجزاء والشرط.
الثالثة: أن تكون القضية ظاهرةً في أنّ ترتب الجزاء على الشرط من باب ترتب المعلول على العلة لا من باب ترتب العلة على المعلول ولا من باب ترتب أحد المعلولين لعلة ثالثة على المعلول الآخر.
الرابعة: أن تكون ظاهرةً في كون الشرط علة منحصرة للحكم فيها.
فمتى توفرت هذه الركائز في القضية تمت دلالتها على المفهوم وإلاّ فلا، وعلى هذا فلا بدّ لنا من درس كل واحدة منها.
أمّا الركيزة الاُولى: فهي في غاية الصحة والمتانة، والسبب في ذلك: هو ما ذكرناه في بحث الواجب المشروط من أنّ القضايا الشرطية ظاهرة عرفاً في

ــ[199]ــ

تعليق مفاد الجملة وهي الجزاء على مفاد الجملة الاُخرى وهي الشرط، مثلاً قولنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود يدل على تعليق وجود النهار على طلوع الشمس، كما أنّ قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء»(1) يدل على تعليق عدم الانفعال على بلوغ الماء قدر كر وهكذا، وكيف كان فلا شبهة في ظهور القضية الشرطية في ذلك.
نعم، لو بنينا على رجوع القيد إلى المادة كما اختاره شيخنا الأنصاري (قدس سره) (2) فحال القضية الشرطية عندئذ حال القضية الوصفية في الدلالة على المفهوم وعدمها، لما سيأتي(3) من أنّ المراد بالوصف ليس خصوص الوصف المصطلح في مقابل سائر المتعلقات، بل المراد منه مطلق القيد سواء أكان وصفاً أم كان غيره من القيود، ومن هنا لو عبّر عن مفهوم الوصف بمفهوم القيد لكان أولى.
وعلى الجملة: فعلى هذه النظرية يدخل مفهوم الشرط في مفهوم الوصف ويكون من أحد أفراده ومصاديقه. فالنتيجة: أنّ القول بمفهوم الشرط في قبال مفهوم الوصف يقوم على أساس رجوع القيد في القضية إلى مفاد الهيئة دون المادة.
وأمّا الركيزة الثانية: وهي دلالة القضية الشرطية على كون العلاقة بين الجزاء والشرط علاقة لزومية فانّها أيضاً تامة، وذلك لأن استعمالها في موارد الاتفاق وعدم العلاقة في أيّة لغة كان لو لم يكن غلطاً فلا شبهة في أ نّه نادر
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1: 158 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1 وغيره (مع اختلاف).
(2) مطارح الأنظار: 45 ـ 46، 52.
(3) لاحظ مبحث مفهوم الوصف ص 272.

ــ[200]ــ

جداً، لوضوح أ نّه لا يصح تعليق كل شيء على كل شيء من دون علاقة وارتباط بينهما. وكيف كان فلا شك في أنّ الاستعمال في تلك الموارد لو صحّ فانّه يحتاج إلى رعاية علاقة وإعمال عناية وبدونهما فالقضية ظاهرة في وجود العلاقة اللزومية بينهما.
ومن ضوء هذا البيان يظهر: أنّ تقسيم المناطقة القضية الشرطية إلى لزومية واتفاقية لا يقوم على أساس صحيح، فانّ ما مثّلوا للثانية بقولهم: إن كان الانسان ناطقاً فالحمار ناهق أو ما شاكل ذلك لم يكن بحسب الواقع والحقيقة قضية شرطية، بل صورتها صورة القضية الشرطية. وكيف كان فلا شبهة في ثبوت هذه الركيزة وأ نّها أساس للقضية الشرطية.
وأمّا الركيزة الثالثة: وهي دلالة القضية الشرطية على أنّ ترتب الجزاء على الشرط من ترتب المعلول على العلة فهي خاطئة جداً، وذلك لأ نّها وإن دلّت على ترتب الجزاء على الشرط والتالي على المقدم كما هو مقتضى كلمة الفاء إلاّ أ نّها لا تدل على أنّ هذا الترتب من ترتب المعلول على العلة التامة بحيث يكون استعمالها في غيره مجازاً، بل هي تدل على مطلق الترتب سواء أكان من قبيل ترتب المعلول على العلة التامة كترتب وجوب الحج على الاستطاعة وترتب وجوب إكرام زيد مثلاً على مجيئه وترتب عدم انفعال الماء على بلوغه كراً وما شاكل ذلك، أو كان من قبيل ترتب العلة على المعلول كما هو الحال في البرهان الإني كترتب طلوع الشمس على وجود النهار وترتب تغير العالم على حدوثه، والأوّل كقولنا: إن كان النهار موجوداً فالشمس طالعة. والثاني كقولنا: إن كان العالم حادثاً فهو متغير ونحو ذلك، أو كان من قبيل ترتب أحد معلولين لعلة ثالثة على المعلول الآخر كقوله: إن كان النهار موجوداً فالعالم مضيء وغير ذلك.

 
 

ــ[201]ــ

والسبب فيه: هو أنّ القضية الشرطية في جميع هذه الموارد تستعمل في معنى واحد وليس استعمالها في موارد ترتب العلة على المعلول أو ترتب أحد المعلولين على الآخر مجازاً لنحتاج إلى لحاظ وجود قرينة في البين وإعمال عناية، بل إنّه كاستعمالها في موارد ترتب المعلول على العلة التامة على نحو الحقيقة، ضرورة أ نّه لا فرق بين قولنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود وبين قولنا: إن كان النهار موجوداً فالشمس طالعة، فكما أنّ الأوّل على نحو الحقيقة فكذلك الثاني، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً.
نعم، يفترق الأوّل عن الثاني في نقطة اُخرى وهي أنّ الترتب في الأوّل مطابق للواقع الموضوعي دون الثاني، فانّ الترتب فيه بمجرد افتراض من العقل من دون واقع موضوعي له.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة: وهي أنّ القضية الشرطية موضوعة للدلالة على ترتب الجزاء على الشرط من دون الدلالة على أ نّه من ترتب المعلول على العلة التامة فضلاً عن كونها منحصرةً، فالموضوع له هو الجامع بين جميع أنواع الترتب، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ القضية الشرطية لا تدل على المفهـوم في موارد البرهان الإنّي، لوضـوح أنّ غاية ما تقتضيه القضية في تلك الموارد هو أنّ تحقق المقدّم يستلزم تحقق التالي ويكشف عنه فيكون وسطاً للاثبات والعلم دون الثبوت والوجود، ولا تدل على امتناع وجود التالي من دون وجود المقدّم، بداهة أنّ وجود المعلول وإن كان يكشف عن وجود العلة إلاّ أنّ عدمه لا يكشف عن عدمها، لامكان أن يكون عدمه مستنداً إلى وجود المانع لا إلى عدمها. مثلاً وجود الممكن في الخارج كاشف عن وجود الواجب بالذات نظراً إلى استحالة وجوده في نفسه، ولكن عدمه لا يكشف عن عدمه ولا عن عدم وجود ممكن آخر لجواز أن يكون عدمه

ــ[202]ــ

مستنداً إلى ما يخصه من المانع.
نعم، عدم المعلول يكشف عن عدم علته التامة، كما أنّ وجوده يكشف عن وجودها، وعدم أحد المعلولين لعلة ثالثة يكشف عن عدم الآخر كما يكشف عن عدم علته التامة.
وعلى هذا الضوء فالقضايا الشرطية في موارد البراهين الإنّية إنّما تدل على الثبوت عند الثبوت ولا تدل على انتفاء الجزاء عند انتفاء المقدّم، لاحتمال أن يكون انتفاء المقدّم مستنداً إلى وجود المانع لا إلى انتفاء الجزاء، والوجه في ذلك: هو أ نّه لا فرق بين استعمال القضايا الشرطية في موارد العلة الناقصة واستعمالها في موارد العلة التامة، فكما أ نّه على نحو الحقيقة في الثانية فكذلك في الاُولى، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أبداً.
فالنتيجة في نهاية المطاف: هي أ نّه لا ظهور للقضايا الشرطية في ترتب المعلول على العلة لا بالوضع ولا بالاطلاق، هذا.
ولكن لشيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) في المقام كلام: وهو أ نّه بعد ما اعترف من أنّ استعمالها في موارد غير ترتب المعلول على العلة ليس مجازاً، قال: إنّ ظاهر القضية الشرطية ذلك، أي ترتب المعلول على العلة، وذلك لأنّ ظاهر جعل شيء مقدّماً وجعل شيء آخر تالياً هو ترتب التالي على المقدّم، فان كان هذا الترتب موافقاً للواقع ونفس الأمر بأن يكون المقدّم علةً للتالي فهو، وإلاّ لزم عدم مطابقة ظاهر الكلام للواقع مع كون المتكلم في مقام البيان على ما هو الأصل في المخاطبات العرفية، وعليه فمن ظهور الجملة الشرطية في ترتب التالي على المقدّم يستكشف كون المقدّم علةً للتالي وإن لم يكن ذلك
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 249.

ــ[203]ــ

مأخوذاً في نفس الموضوع له.
وهذا الذي أفاده (قدس سره) وإن كان غير بعـيد في نفسه، نظراً إلى أنّ المتكلم إذا كان في مقام بيان تفرّع الجزاء على الشرط وترتبه عليه بحسب مقام الثبوت والواقع لدلت القضية على ذلك في مقام الاثبات أيضاً للتبعية، نظير ما إذا قلنا جاء زيد ثمّ عمرو فانّه يدل على تأخر مجيء عمرو عن مجيء زيد بحسب الواقع ونفس الأمر وإلاّ لم يصح استعماله فيه.
وأمّا إذا لم يكن المتكلم في مقام بيان ذلك بل كان في مقام الاخبار أو الانشاء، فلا يتم ما أفاده (قدس سره)، وذلك لأنّ القضية الشرطية عندئذ لا تدل إلاّ على أنّ إخبار المتكلم عن وجود الجزاء متفرع على فرض وجود الشرط، أو إنشاء الحكم واعتباره متفرّع على فرض وجوده وتحققه، وأمّا أنّ وجود الجـزاء واقعاً مترتب على وجود الشرط فلا دلالة للقضـية على ذلك أصلاً، ضرورة أ نّه لا مانع من أن يكون الاخبار عن وجود العلة متفرّعاً على فرض وجود المعلول في الخارج، والاخبار عن وجود أحد المتلازمين متفرعاً على فرض وجود الملازم الآخر فيه، والسرّ فيه: هو أ نّه لا يعتبر في ذلك إلاّ فرض المتكلم شيئاً مفروض الوجود في الخارج ثمّ إخباره عن وجود شيء آخر متفرّعاً على وجوده ومعلّقاً عليه كقولنا: إن كان النهار موجوداً فالشمس طالعة، حيث إنّ المتكلم فرض وجود النهار في الخارج ثمّ أخبر عن طلوع الشمس على تقدير وجوده، أو فرض وجود شيء فيه ثمّ أنشأ الحكم على هذا التقدير كقولنا: إن جاءك زيد فأكرمه، حيث إنّه جعل وجوب الاكرام على تقدير تحقق مجيئه في الخارج وهكذا.
وعلى الجملة: فبما أنّ القضية الشرطية لم توضع للدلالة على أنّ ترتب الجزاء على الشرط من ترتب المعلول على العلة، فبطبيعة الحال تستند دلالتها على

ــ[204]ــ

ذلك في مورد إلى قرينة حال أو مقال، وإلاّ فلا دلالة لها على ذلك أصلاً.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net