ــ[331]ــ
المجمل مفهوماً دائراً بين الأقل والأكثر. الثاني: فيما إذا كان أمره دائراً بين المتباينين. أمّا المقام الأوّل: فتارةً يكون المخصص المجمل متصلاً، واُخرى يكون منفصلاً. أمّا إذا كان متصلاً فبما أ نّه مانع عن انعقاد ظهور العام في العموم من الأوّل حيث إنّه لا ينعقد للكلام الملقى للافادة والاستفادة ظهور عرفي في المعنى المقصود إلاّ بعد فراغ المتكلم منه، فبطبيعة الحال يسري إجماله إلى العام فيكون العام مجملاً حقيقةً، يعني كما لا ينعقد له ظهور في العموم لا ينعقد له ظهور في الخصوص أيضاً. وإن شئت قلت: إنّ اتصال المخصص بالعام مانع عن انعقاد ظهوره التصديقي في العموم، فان لم يكن مجملاً انعقد ظهوره في خصوص الخاص، وأمّا إذا كان مجملاً فهو كما يمنع عن انعقاد ظهوره التصديقي في العموم كذلك يمنع عن ظهوره التصديقي في خصوص الخاص أيضاً كقولنا: أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم، إذا افترضنا أنّ مفهوم الفاسق مجمل ودار أمره بين فاعل الكبيرة فحسب أو الأعم منه ومن فاعل الصغيرة، ففي مثل ذلك كما أنّ شمول الخاص لفاعل الصغيرة غير معلوم حيث لا يعلم بوضعه للجامع بينه وبين فاعل الكبيرة، كذلك شمول العام له نظراً إلى إجماله وعدم انعقاد ظهور له أصلاً، فلا يعلم أنّ الخارج منه فاعلا الكبيرة والصغيرة معاً أو خصوص فاعل الكبيرة، وعليه فلا محالة يكون المرجع في فاعل الصغيرة الأصل العملي. فإن كان العام متكفلاً لحكم إلزامي والخاص متكفلاً لحكم غير إلزامي أو بالعكس فالمرجع فيه أصالة البراءة.
ــ[332]ــ
وأمّا إن كان كل منهما متكفلاً لحكم إلزامي فيدخل في دوران الأمر بين المحذورين حيث يدور أمره بين وجوب الاكرام وحرمته، فهل المرجع فيه أصالة التخيير عقلاً أو أصالة البراءة؟ الأظهر هو الثاني فيما إذا كانت الواقعة واحدةً لا مطلقاً على تفصيل يأتي في محلّه(1). وأمّا إذا كان المخصص المجمل منفصلاً ودار أمره بين الأقل والأكثر كما إذا قال المولى: أكرم العلماء ثمّ قال: لا تكرم الفسّاق منهم وفرضنا أنّ مفهوم الفاسق مجمل ومردد بين فاعل الكبيرة فقط أو الأعم منه ومن فاعل الصغيرة، فلا يكون إجماله مانعاً عن التمسك بعموم العام، حيث إنّ ظهوره في العموم قد انعقد، والمخصص المنفصل كما عرفت لا يكون مانعاً عن انعقاد ظهوره فيه، وعليه فلا محالة يقتصر في تخصيصه على المقدار المتيقن إرادته من المخصص المجمل، وهو خصوص فاعل الكبيرة فحسب، وأمّا في المشكوك ـ وهو فاعل الصغيرة في المثال ـ فبما أنّ الخاص لا يكون حجةً فيه لفرض إجماله، فلا مانع من التمسك فيه بعموم العام حيث إنّه حجة وكاشف عن الواقع، ولا يسري إجمال المخصص إليه على الفرض. وإن شئت قلت: إنّ المخصص المنفصل إنّما يكون مانعاً عن حجية العام وموجباً لتقييد موضوعه في المقدار الذي يكون حجةً فيه، فان لم يكن مجملاً فهو لا محالة يكون حجةً في تمام ما كان ظاهراً فيه، وإن كان مجملاً كما في محل الكلام فهو بطبيعة الحال إنّما يكون حجةً في المقدار المتيقن إرادته منه في الواقع دون الزائد، حيث إنّه كاشف عن هذا المقدار فحسب دون الزائد عليه، وعلى الأوّل فهو يوجب تقييد موضوع العام بالاضافة إلى جميع ما كان ظاهراً فيه، ـــــــــــــــــــــ (1) مصباح الاُصول 2: 383.
ــ[333]ــ
وعلى الثاني فيوجب تقييده بالاضافة إلى المتيقن فحسب دون الزائد المشكوك فيه، فانّه لا يكون حجةً فيه، وعليه فلا مانع من الرجوع فيه إلى عموم العام حيث إنّه شامل له، ولا مانع من شموله ما عدا كون الخاص حجةً فيه وهو غير حجة على الفرض. وعلى هذا الضوء ففي المثال المتقدم قد ثبت تقييد موضوع العام ـ وهو العالم ـ بعدم كونه فاعل الكبيرة، وأمّا تقييده بعدم كونه فاعل الصغيرة فهو مشكوك فيه فأصالة العموم في طرف العام تدفعه. فالنتيجة: أنّ أصالة العموم رافعة لاجمال المخصص حكماً، يعني لا يبقى معها إجمال فيه من هذه الناحية. وأمّا المقام الثاني: وهو ما إذا كان أمر المخصص المجمل مردداً بين المتباينين، فأيضاً تارةً يكون المخصص المجمل المزبور متصلاً، واُخرى يكون منفصلاً. أمّا الأوّل: فالكلام فيه بعينه هو الكلام في المخصص المتصل المجمل الذي يدور أمره بين الأقل والأكثر، يعني أ نّه يوجب إجمال العام حقيقةً، فلا يمكن التمسك به أصلاً، ومثاله كقولنا: أكرم العلماء إلاّ زيداً، مثلاً إذا افترضنا أنّ زيداً دار أمره بين زيد بن خالد وزيد بن بكر، فانّه لا محالة يمنع عن ظهور العام في العموم ويوجب إجماله حقيقةً. نعم، يفترق الكلام فيه عن الكلام في ذاك بالاضافة إلى الأصل العملي، بيان ذلك: أنّ العام أو الخاص إذا كان أحدهما متكفلاً للحكم الالزامي والآخر متكفلاً للحكم الترخيصي، فالمرجع فيه أصالة الاحتياط، للعلم الاجمالي بوجوب إكرام أحدهما أو بحرمة إكرامه، ومقتضى هذا العلم الاجمالي لا محالة هو الاحتياط. وأمّا إذا كان كلاهما متكفلاً للحكم الالزامي بأن يعلم إجمالاً أنّ أحدهما واجب الاكرام والآخر محرّم الاكرام، فبما أ نّه لا يمكن الرجوع إلى الاحتياط ولا إلى أصالة البراءة، لعدم إمكان الأوّل
ــ[334]ــ
واستلزام الثاني المخالفة القطعية العملية، فالمرجع فيه لا محالة هو أصالة التخيير. فالنتيجة أ نّهما يشتركان في الأصل اللفظي ويفترقان في الأصل العملي.
|