ثمّ إنّ شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) ذكر أنّ المشهور حكموا بالضمان فيما إذا دار أمر اليد بين كونها عاديةً أو غير عادية، ولكن لم يعلم وجه فتواهم بذلك هل هو من ناحية التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية أو من ناحية قاعدة المقتضي والمانع، نظراً إلى أنّ المقتضي للضمان موجود وهو اليد، والمانع مشكوك فيه وهو كونها يد أمانة فيدفع بالأصل، أو استصحاب العدم الأزلي نظراً إلى أنّ موضوع الضمان هو الاستيلاء على مال الغير المتصف بكونه مقارناً لعدم رضاه، فاذا كان الاستيلاء محرزاً بالوجدان جرى استصحاب عدم رضا المالك فيثبت الضمان، أو وجه آخر غير هذه الوجوه. فالنتيجة أنّ كون مستند فتواهم به أحد هذه الاُمور الثلاثة غير معلوم، بل هي بأنفسها غير تامة. أمّا الأوّل فسيجيء الكلام فيه. وأمّا الثاني فان اُريد بالمقتضي الدليل فقد عرفت أ نّه قاصر عن شمول المورد، وإن أريد به الملاك المقتضي له فلم يمكن إحراز أصل وجوده فيه بعد عدم شمول الدليل له، وإن أريد به اليد الخارجية فقد عرفت أنّ اليد مطلقاً لاتقتضي الضمان والمقتضي له إنّما هو اليد الخاصة، وهي التي لاتكون يد أمين. ثمّ قال (قدس سره) إنّ الصحيح في وجه ذلك أن يقال: إنّه يمكن التمسك بالأصل لاحراز موضـوع الضمان بضم الوجدان إليه، وملخص ما أفاده (قدس سره): هو أنّ موضوع الضمان مركب من الاستيلاء على مال الغير وعدم رضاه بذلك، والمفروض في المقام أنّ الاستيلاء على مال الغير محرز بالوجدان وعدم ـــــــــــــــــــــ (1) أجود التقريرات 2: 323.
ــ[342]ــ
رضاه بذلك محرز بالأصل، وبضم الوجدان إلى الأصل يتم الموضوع المركب فيترتب عليه أثره وهو الضمان. ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدس سره) في غاية الصحة والمتانة، سواء أكانت الدعوى بين المالك وذي اليد في الرضا وعدمه، يعني أنّ المالك يدّعي أ نّه غير راض باستيلائه على ماله وهو يدّعي رضاءه به كما عرفت، أو كانت بينهما في رضا الله تعالى به وعدمه، يعني أنّ المالك يدّعي أ نّه تعالى غير راض باستيلائه على ماله وهو يدّعي أ نّه راض به، كما إذا افترضنا أنّ المالك يدعي أ نّك غصبت ما بيدك من مالي، وهو يدعي أنِّي وجدت هذا المال وأ نّه كان عندي أمانة برضى الله سبحانه وتعالى فلا ضمان عليه إذا تلف، ففي هذه الصورة أيضاً لا مانع من إحراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل، حيث إنّ الاستيلاء على مال الغير محرز بالوجدان وعدم رضاه تعالى به محرز بالأصل، فيتم الموضوع ويترتب عليه أثره وهو الضمان. وإن شئت قلت: إنّ ذي اليد قد اعترف بأنّ المال الذي تحت يده هو مال المدعي، ولكنّه ادعى أ نّه غير ضامن له بدعوى أنّ يده عليه يد امانة، حيث إنّها كانت باذن من الله تعالى، ولكنّ المالك ادعى أ نّه تعالى لم يأذن به وأنّ يده عليه ليست يد أمانة، ففي مثل ذلك يمكن إحراز موضوع الضمان بضم الوجدان إلى الأصل، وهو أصالة عدم إذنه تعالى به. نعم، فيما إذا كان المالك راضياً بتصرف ذي اليد في ماله ولكنّه يدعي ضمانه بعوضه وهو يدعى فراغ ذمته عنه، ففي مثل ذلك مقتضى الأصل عدم ضمانه، مثاله: ما إذا اختلف المالك وذو اليد في عقد فادعى المالك أ نّه بيع، وادعى ذو اليد أ نّه هبة، فالقول قول مدعي الهبة، وعلى مدعي البيع الاثبات، والوجه فيه: هو أ نّه يدعي اشتغال ذمة المنقول إليه بالثمن وهو ينكر ذلك ويدعي عدم
ــ[343]ــ
اشتغال الذمة بشيء، فحينئذ إن أقام البيّنة على ذلك فهو وإلاّ فله إحلاف المنكر أي المنقول إليه، حيث إنّ قوله مطابق لأصالة عدم الضمان، يعني عدم اشتغال ذمته بالثمن. هذا فيما إذا كانت العين تالفة أو كان المنقول إليه ذا رحم، وإلاّ فله حق استرجاع المال من دون مرافعة، لأنّ العقد إن كان بيعاً في الواقع فبما أنّ المشتري لم يردّ ثمنه فله خيار الفسخ، وإن كان هبةً كذلك يعني في الواقع فبما أ نّها جائزة على الفرض فله فسخها واسترداد المال. نعم، إذا افترضنا الأمر بالعكس بأن يدّعي المالك الهبة ويدّعي ذو اليد البيع، فالقول قول مدعي البيع، وعلى مدعي الهبة الاثبات، وذلك لأ نّه يدّعي في الحقيقة زوال ملكية المنقول إليه عن هذا المال برجوعه، فان أقام البيّنة على ذلك فهو وإلاّ فالقول قوله مع يمينه. ولكن مثل هذا الفرع خارج عن مورد كلامه (قدس سره) فانّ مفروض كلامه هو ما إذا كان الشك في رضا المالك وعدمه، كما في الفرعين الأوّلين، وأمّا في هذا الفرع فالمفروض أنّ رضا المالك بالتصرف محرز والشك في الضمان إنّما هو من ناحية اُخرى.
|