ــ[349]ــ
ثمّ إنّ شيخنا العلاّمة الأنصاري (قدس سره)(1) قد فصّل في المقام بين ما كان المخصص لفظياً وما كان لبياً، فعلى الأوّل لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية دون الثاني، وتبعه في ذلك المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) وقال في وجهه ما إليك نصه: وأمّا إذا كان ـ المخصص ـ لبياً، فان كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب فهو كالمتصل، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلاّ في الخصوص، وإن لم يكن كذلك فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه، والسر في ذلك: أنّ الكلام الملقى من السيد حجةً ليس إلاّ ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم فلا بدّ من اتباعه ما لم يقطع بخلافه، مثلاً إذا قال المولى أكرم جيراني وقطع بأ نّه لا يريد إكرام من كان عدوّاً له منهم، كان أصالة العموم باقيةً على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعداوته، لعدم حجة اُخرى بدون ذلك على خلافه، بخلاف ما إذا كان المخصص لفظياً، فانّ قضية تقديمه عليه هو كون الملقى إليه كأ نّه كان من رأس لا يعم الخاص، كما كان كذلك حقيقةً فيما كان الخاص متصلاً، والقطع بعدم إرادة العدوّ لا يوجب انقطاع حجيته إلاّ فيما قطع أ نّه عدوّه لا فيما شك فيه، كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحداً من جيرانه لاحتمال عداوته له وحسن عقوبته على مخالفته، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور. ـــــــــــــــــــــ (1) مطارح الأنظار: 194.
ــ[350]ــ
وبالجملة: كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك، ولعلّه لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما بالقاء حجتين هناك تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام كأ نّه لم يعمّه حكماً من رأس، وكأ نّه لم يكن بعام، بخلاف هاهنا، فانّ الحجة الملقاة ليست إلاّ واحدة، والقطع بعدم إرادة إكرام العدو في أكرم جيراني مثلاً لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلاّ فيما قطع بخروجه عن تحته، فانّه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه فلا بدّ من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه. بل يمكن أن يقال إنّ قضية عمومه للمشكوك أ نّه ليس فرداً لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه فيقال في مثل لعن الله بني اُميّة قاطبة أنّ فلاناً وإن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمناً فينتج أ نّه ليس بمؤمن، فتأمل جيداً (1). نلخّص ما أفاده (قدس سره) في عدة خطوط: 1 ـ أنّ المخصص اللبي قد يكون كالمخصص اللفظي المتصل، يعني يكون مانعاً عن انعقاد ظهور العام في العموم. 2 ـ أ نّه قد يكون كالمنفصل اللفظي، يعني لا يكون مانعاً عن انعقاد ظهوره في العموم، ولكنّه يفترق عنه في نقطة وهي أنّ المخصص المنفصل إذا كان لفظياً فهو مانع عن التمسك بالعام في الفرد المشتبه، وأمّا إذا كان لبياً فهو غير مانع عنه، والنكتة في ذلك: هو أنّ الأوّل يوجب تقيّد موضوع العام بعدم عنوان المخصص من باب تحكيم الخاص على العام، وعليه فاذا شك في فرد أ نّه من أفراد الخاص أو العام لم يمكن التمسك بالعام لاحراز أ نّه من أفراده كما عرفت ـــــــــــــــــــــ (1) كفاية الاُصول: 222 ـ 223.
ــ[351]ــ
بشكل موسّع، وهذا بخلاف الثاني، فانّه لا يوجب تقيد موضوع العام إلاّ بما قطع المكلف بخروجه عن تحته، فانّ ظهور العام في العموم حجة، والمفروض عدم قيام حجة اُخرى على خلافه وإنّما هو قطع المكلف بخروج بعض أفراده عن تحته للقطع بعدم كونه واجداً لملاك حكمه، وهذا القطع حجة فيكون عذراً له في مقام الاحتجاج، وأمّا فيما لا قطع بالخروج عن تحته من الموارد المشكوكة فلا مانع من التمسك بعمومه فيها، حيث إنّ المانع عنه على الفرض إنّما هو قطع المكلف به، ومع فرض عدمه فلا مانع منه أصلاً. 3 ـ أنّ التمسك بعموم العام للفرد المشكوك فيه يكون دليلاً على أ نّه ليس فرداً لما علم بخروجه من العنوان عن حكمه وأنّ هذا الفرد من أفراد العام، هذا.
|