الاستدلال بحكم العقل وبالآيات والروايات على وجوب الفحص 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5104

الأوّل: حكم العقل بذلك حيث إنّه يستقل بأنّ وظيفة المولى ليست إلاّ تشريع الأحكام وإظهارها على المكلفين بالطرق العادية ولا يجب عليه تصدّيه لجميع ما له دخل في الوصول إليهم بحيث يجب على المولى إيصال التكليف إلى العبد ولو بغير الطرق العادية المتعارفة إذا امتنع العبد من الاطلاع على تكاليف مولاه بتلك الطرق، كما أ نّه يسـتقل بأن وظيفة العبد إنّما هي الفحـص عن
تكاليف المولى التي جعلها وأظهرها بالطرق العادية لئلاّ يقع في مخالفتها، ضرورة أ نّه لو لم يتصدّ للفحص عنها وتمسك بأصالة البراءة أو استصحاب العدم في كل مورد احتمل التكليف فيه لزم إبطال فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب حيث لا يمكن الوصول إلى تلك التكاليف إلاّ بالفحص.
وعلى الجملة: فالعقل كما يستقل بوجوب النظر إلى المعجزة وإلاّ لزم إفحام جميع الأنبياء والأوصياء، كذلك يستقل بوجوب الفحص في مقام الرجوع إلى البراءة أو الاستصحاب، فالملاك لاستقلاله في كلا الموردين واحد، والسر في ذلك ما عرفت من أ نّه لايجب على المولى إيصال الأحكام والتكاليف التي جعلها في الشريعة المقدّسة إلى العباد بالطرق غير العادية، فالواجب عليه بيانها بالطرق المتعارفة العادية بحيث يتمكن المكلف من الوصول إليها بالمراجعة والفحص،

ــ[427]ــ

فلو لم يفحص ووقع في مخالفتها لم يكن معذوراً.
وهذا الوجه بعينه جار في موارد الرجوع إلى الاُصول اللفظية، فانّ المكلف لو تمسك بها بدون الفحص عن القرائن على خلافها مع علمه بأنّ بيان الأحكام الشرعية كان على نحو التدريج وبالطرق العادية المتعارفة لوقع في مخالفة تلك الأحكام كثيراً ولا يكون معذوراً، حيث إنّ العقل يرى أنّ وظيفته هي الفحص عن القرائن المحتملة في الواقع وأ نّه لو تفحّص عنها لوصل إليها لو كانت موجودة، ومعه كيف يكون معذوراً.
فالنتيجة: أنّ وظيفة المولى بيان الأحكام بالطرق العادية ووظيفة العبد الفحص عن تلك الأحكام، بلا فرق في ذلك بين موارد الاُصول العملية والاُصول اللفظية.
الثاني: الآيات والروايات الدالتان على وجوب التعلم والفحص، أمّا الاُولى: فمنها قوله تعالى: (فَسْأَ لُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ )(1) ومنها قوله تعالى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ) إلخ(2) وغيرهما من الآيات. وأمّا الثانية: فمنها قوله (عليه السلام): «إنّ الله تعالى يقول لعبده في يوم القيامة هلاّ عملت؟ فقال: ما علمت، فيقول: هلاّ تعلّمت»(3) وغيرها من الروايات.
ومن الواضح أنّ هذا الوجه لا يختص بموارد الرجوع إلى الاُصول العملية،
ـــــــــــــــــــــ
(1) النحل 16: 43.
(2) التوبة 9: 122.
(3) بحار الأنوار 2: 29، 180.

ــ[428]ــ

بل يعمّ غيرها من موارد الرجوع إلى الاُصول اللفظية أيضاً، ضرورة أ نّه لا يكون في الآيات والروايات ما يوجب اختصاصهما بها.
فالنتيجة: أ نّهما لا تختصان بمورد دون مورد وتدلان على وجوب التعلم والفحص مطلقاً، بلا فرق بين موارد الاُصول العملية وموارد الاُصول اللفظية، هذا تمام الكلام في أصل وجوب الفحص.
وأمّا مقداره فهل يجب الفحص على المكلف بمقدار يحصل له العلم الوجداني بعدم وجود المخصص أو المقيد في مظانه وإن احتمل وجوده في الواقع، أو بمقدار يحصل له الاطمئنان بذلك، أو لا هذا ولا ذاك، بل يكفي تحصيل الظن به؟ فيه وجوه.
أمّا الأوّل: فهو غير لازم جزماً، لأنّ تحصيل العلم الوجداني بعدم وجوده بالفحص يتوقف على الفحص في جميع الكتب المحتمل وجوده فيها وإن لم يكن الكتاب من كتب الحديث، ومن الطبيعي أنّ هذا يحتاج إلى وقت طويل، بل لعلّه لا يفي العمر بالفحص كذلك في باب واحد من أبواب الفقه فضلاً عن جميع الأبواب، هذا مضافاً إلى عدم الدليل على وجوبه كذلك.
وأمّا الثاني: فهو الصحيح، نظراً إلى أ نّه حجة فيجوز الاكتفاء به، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ تحصيله لكل من يتصدى لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها بمكان من الامكان، نظراً إلى أنّ الاطمئنان يحصل بعدم وجوده بالفحص عنه في الأبواب المناسبة، ولا يتوقف على الفحص في الزائد عليها، والمفروض أنّ تحصيل الزائد على مرتبة الاطمئنان غير واجب.
وأمّا الثالث: فلا يجوز الاكتفاء به لعدم الدليل بعد ما لم يكن حجة شرعاً.
فالنتيجة: أنّ المقدار الواجب من الفحص هو ما يحصل الاطمئنان منه بعدم

ــ[429]ــ

وجود المخصص أو المقيد في مظانه دون الزائد، ولا أثر لاحتمال وجوده في الواقع بعد ذلك، كما أ نّه لا يجوز الاكتفاء بما دونه يعني الظن لعدم الدليل عليه.
ولصاحب الكفاية (قدس سره) (1) في المقام كلام وحاصله: هو أنّ عمومات الكتاب والسنّة بما أ نّها كانت في معرض التخصيص فالمقدار اللازم من الفحص هو ما به يخرج عن المعرضية له.
وغير خفي أنّ ما أفاده (قدس سره) لا يرجع بظاهره إلى معنىً محصّل، فانّ تلك العمومات إذا كانت في معرض التخصيص لم تخرج عن المعرضية بالفحص عن مخصصاتها، لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه، بل القطع الوجداني بعدم المخصص لها لا يوجب خروجها عن المعرضية فضلاً عن الاطمئنان، ولعلّه (قدس سره) أراد الاطمئنان من ذلك.
وكيف كان، فالصحيح ما ذكرناه من أنّ الفحص الواجب إنّما هو بمقدار يحصل منه الاطمئنان بالعدم دون الزائد عليه.
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 226.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net