ثمرة هذا البحث - إيراد صاحب الكفاية على الثمرة 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4024

فالنتيجة: أنّ الصحيح هو ما ذكرناه من أنّ أدوات الخطاب موضوعة للدلالة على الخطاب الانشائي دون الحقيقي، وقد مرّ أ نّه لا مانع من شمول الخطاب الانشائي للمعدومين فضلاً عن الغائبين.
الكلام في ثمرة هذا البحث: قد ذكر له عدّة ثمرات نذكر منها ثمرتين:
إحداهما: أ نّه على القول بعموم الخطاب للغائبين بل المعدومين فظواهره تكون حجة عليهم بالخصوص، وعلى القول بعدمه فلا تكون حجةً عليهم كذلك.
وأورد على هذه الثمرة المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) بأ نّها تبتني على مقدمتين: الاُولى اختصاص حجية الظواهر بمن قصد إفهامه. الثانية: أن يكون المقصود بالافهام من خطابات القرآن هو خصوص الحاضرين في مجلس التخاطب.
ولكن كلتا المقدمتين خاطئة وغير مطابقة للواقع. أمّا المقدمة الاُولى فلما حققناه في محلّه(2) من عدم اختصاص حجية الظواهر بخصوص المقصودين بالافهام بل تعم الجميع من المقصودين وغيرهم، وذلك لعدم الفرق في السيرة العقلائية القائمة على العمل بها بين مَن قصد إفهامه من الكلام ومَن لم يقصد وتمام الكلام في محلّه. وأمّا المقدمة الثانية فلأنّ المقصود بالافهام من خطابات
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 331.
(2) مصباح الاُصول 2: 138.

ــ[436]ــ

القرآن جميع الناس إلى أن تقوم الساعة من الحاضرين والغائبين والمعدومين، والنكتة في ذلك أنّ القرآن لا يختص بطائفة دون طائفة وبزمان دون زمان، بل هو يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا (1) ولا يمكن القول بأنّ المقصود بالافهام من خطاباته هم الحاضرون في مجلس التخاطب دون غيرهم، حيث إنّه لا يناسب مكانة القرآن وعظم شأنه وأ نّه كتاب إلهي نزل لهداية البشر جميعاً، فلا محالة يكون المقصود بالافهام منها جميع البشر، غاية الأمر أنّ من يكون حاضراً في مجلس التخاطب يكون مقصوداً بالافهام من حين صدورها، ومن لم يكن حاضراً أو كان معدوماً فهو مقصود به حينما وصلت إليه الآيات والخطابات.
ثانيتهما: أ نّه على القول بالعموم والشمول يصح التمسك بعمومات الكتاب والسنّة بالاضافة إلى الغائبين والمعدومين كقوله تعالى مثلاً: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ)(2) فانّه لا مانع من التمسك بعمومه على هذا القول لاثبات وجوب السعي لهما.
وأمّا على القول بالاختصاص وعدم العموم فلا يصحّ التمسك بها، لفرض أنّ وجوب السعي في الآية عندئذ غير متوجه إلينا لنتمسك بعمومه عند الشك في تخصيصه، بل هو خاص بالحاضرين في المجلس فاثباته للمعدومين يحتاج إلى تمامية قاعدة الاشتراك في التكليف هنا، وهذه القاعدة إنّما تثبت الحكم لهم إذا كانوا متحدين مع الحاضرين في الصنف. وأمّا مع الاختلاف فيه فلا مورد لتلك القاعدة، مثلاً الحكم الثابت للمسافر لا يمكن إثباته بهذه القاعدة للحاضر
ـــــــــــــــــــــ
(1) كما ورد في البحار 35: 403 ذيل الحديث 21.
(2) الجمعة 62: 9.

ــ[437]ــ

وبالعكس. نعم، إذا ثبت حكم لشخص خاص بعنوان كونه مسافراً ثبت لجميع من يكون متحداً معه في هذا العنوان ببركة تلك القاعدة.
وأمّا في المـقام فهل يمكن التمسك بهذه القاعدة لاثبات الحكم الثابت للحاضرين في ذلك العصر للمعدومين فيه؟ وجهان الأظهر عدم إمكان التمسك بها، وذلك لعدم إحراز اشتراكهم معهم في الصنف، لاحتمال أنّ لوصف الحضور دخلاً فيه، ومع هذا الاحتمال لا يمكن التمسك بهذه القاعدة.
وعلى الجملة: فلا شبهة في أ نّه لا يمكن اختلاف أهل شريعة واحدة في أحكام تلك الشريعة. نعم، هم مختلفون فيها حسب اختلافهم في الصنف فيثبت لكل صنف منهم حكم خاص لا يثبت للآخر، مثلاً للحائض حكم وللجنب حكم آخر وللمستطيع حكم ثالث وللمسافر حكم رابع وللحاضر حكم خامس وهكذا، ولا يمكن اختلاف أفراد صنف واحد في ذلك الحكم، فاذا ثبت لفرد منه ثبت للباقي. فاذا دلّ دليل على ثبوت حكم لشخص ثبت لغيره من الأفراد المتحدة معه في الصنف، ونظير ذلك كثير في الروايات حيث إنّ رواية لو كانت متكفلة لحكم شخص خاص باعتبار ورودها فيه فالحكم لا يختص به، بل يعمّ غيره مما هو متحد معه في الصنف بقانون الاشتراك في التكليف.
وأمّا إذا لم يحرز الاتحاد فيه فلا يمكن التمسك بهذه القاعدة لتسرية الحكم من مورده إلى غيره مما لم يحرز اتحاده معه فيه، وما نحن فيه من هذا القبيل حيث إنّنا لم نحرز اتحاد المعدومين مع الحاضرين في الصنف، لاحتمال دخل وصف الحضور فيه فلا يمكن التمسك بتلك القاعدة.
فالنتيجـة: أنّ الثمرة تظهر بين القولين، فعلى القول بشمول الخطابات للمعدومين يجوز لهم التمسك بها، وعلى القول بعدمه فلا يجوز لهم ذلك، هذا.

ــ[438]ــ

وقد أورد على هذه الثمرة المحـقق صاحب الكفاية (قدس سره) بما إليك نصه: ولا يذهب عليك أ نّه يمكن إثبات الاتحاد وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقداً له مما كان المشافهون واجدين له باطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به، وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق مع إرادة المقيد منه فيما يمكن أن يتطرق الفقـدان وإن صحّ فيما لا يتطرق إليـه ذلك. وليس المراد بالاتحـاد في الصنف إلاّ الاتحاد فيما اعتبر قيداً في الأحكام لا الاتحاد فيما كثر الاخـتلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الأنام، بل في شخص واحد بمرور الدهور والأيام، وإلاّ لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلاً عن المعدومين حكم من الأحكام.
ودليل الاشتراك إنّما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان لو لم يكونوا معنونين به شك في شمولها لهم أيضاً، فلولا الاطلاق وإثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم لما أفاد دليل الاشتراك، ومعه كان الحكم يعمّ غير المشافهين ولو قيل باختصـاص الخطابات بهم فتأمل جيداً.
فتلخص أ نّه لا يكاد تظهر الثمرة إلاّ على القول باختصاص حجية الظواهر بمن قصد إفهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام، وقد حقق عدم الاختصاص في غير المقام واُشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام(1).
وملخّص ما أفاده (قدس سره) هو أنّ التمسك بقاعدة الاشتراك في التكليف لا يمكن إلاّ فيما اُحرز الاتحاد في الصنف، ومن الطبيعي أ نّه لا يمكن إحرازه فيه إلاّ باحراز عدم [ دخل ] ما كان المشافهون في ذلك الزمان واجدين له دون
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 231.

ــ[439]ــ

غيرهم، ومن المعلوم أ نّه لايمكن إحراز ذلك إلاّ بالتمسك باطلاق الخطاب لاثبات عدم دخله في الحكم، وهو لا يمكن إلاّ في الأوصاف المفارقة دون الأوصاف اللازمة للذات، حيث إنّ ما يحتمل دخله فيه مما كان المشافهون واجدين له إن كان من الأوصاف المفارقة وكان دخيلاً في مطلوب المولى واقعاً فعليه بيانه بنصب قرينة دالة على التقييد، وإلاّ لأخل بغرضه. وإن كان من الأوصاف اللازمة وكان دخيلاً فيه كذلك لم يلزم عليه بيانه ولا إخلال بالغرض بدونه.
والنكتة في ذلك: هي أنّ ما يحتمل دخله فيه إن كان من تلك الأوصاف لم يمكن التمسك بالعموم والاطلاق، حيث إنّ التمسك به فرع جريان مقدمات الحكمـة، ومع الاحتمال المزبور لا تجرى المقدمات إذ على تقدير عدم البيان لا يكون إخلال بالغرض، نظراً إلى عدم انفكاك الوصف المزبور عن الموضوع.
وغير خفي أنّ ما أورده (قدس سره) من الايراد على هذه الثمرة يتم في غير المقام ولا يتم فيه فلنا دعويان: الاُولى تمامية ما أفاده (قدس سره) في غير المقام، وهو ما إذا كانت الأوصاف التي نحتمل دخلها في الحكم الشرعي من العوارض المفارقة كالعلم والعدالة والفسق وما شاكلها. الثانية: عدم تماميته في المقام، وهو ما إذا كانت الأوصاف التي نحتمل [ دخلها ] فيه من العوارض اللازمة للذات كالهاشمية والقرشية وما شاكلهما.
أمّا الدعوى الاُولى: فلأنّ احتمال دخل مثل هذه الأوصاف في ثبوت حكم لجماعة كانوا واجدين لها مع عدم البيان من قبل المولى على دخله فيه لا يكون مانعاً عن التمسك بالاطلاق، لوضوح أ نّه لو كان دخيلاً فيه واقعاً فعلى المولى بيانه وإلاّ لكان مخلاً بغرضه وهو خلف.
والسر في ذلك: هو أنّ الوصف المزبور بما أ نّه من الأوصاف والعوارض المفارقة، يعني أ نّه قد يكون وقد لا يكون، فمجرد أنّ هؤلاء الجماعة واجدين له

ــ[440]ــ

حين ثبوت الحكم لهم غير كاف لبيان دخله فيه ولتقييد إطلاق الكلام، حيث إنّه ليس بنظر العرف مما يصح أن يعتمد عليه المتكلم في مقام البيان إذا كان دخيلاً في غرضه واقعاً، بل عليه نصب قرينة تدل على ذلك وإلاّ لكان إطلاق كلامه في مقام الاثبات محكّماً وكاشفاً عن إطلاقه في مقام الثبوت، يعني أنّ مقتضى إطلاق كلامه هو ثبوت الحكم لهم في كلتا الحالتين، أي حالة وجدان الوصف المزبور وحالة فقدانه.
فالنتيجة: أنّ احتمال دخل مثل هذا الوصف لا يكون مانعاً عن جريان مقدمات الحكمة والتمسك بالاطلاق.
وأمّا الدعوى الثانية: فلأنّ احتمال دخل مثل تلك الأوصاف في ثبوت الحكم مانع عن جريان مقدمات الحكمة، والسبب فيه: أنّ الحكم إذا ثبت لطائفة كانوا واجدين لوصف لازم لذاتهم كالهاشمية أو نحوها وكان الوصف المزبور دخيلاً فيه واقعاً صحّ عرفاً اعتماد المتكلم عليه في مقام البيان فلا يحتاج إلى بيان زائد. وعليه فاذا احتمل دخله وكان المتكلم في مقام البيان فبطبيعة الحال يحتمل اعتماده في هذا المقام عليه، ومعه كيف يمكن التمسك بالاطلاق.
فالنتيجة: أنّ عدم دخله يحتاج إلى قرينة خارجية دون دخله فيه. وبكلمة اُخرى: ليس لهم حالتان: حالة كونهم واجدين للوصف المزبور وحالة كونهم فاقدين له حتى يكون لكلامه إطلاق بالاضافة إلى كلتا الحالتين، فالتقييد يحتاج إلى دليل، بل لهم حالة واحدة وهي حالة كونهم واجدين له فلا إطلاق لكلامه حتى يتمسك به لاثبات الحكم الثابت لهم لغيرهم فالاطلاق يحتاج إلى دليل، وما نحن فيه من هذا القبيل نظراً إلى أن ما يحتمل دخله في الحكم ـ وهو وصف الحضور ـ من الأوصاف اللازمة، ومع احتمال دخله فيه لا يمكن التمسك باطلاق الخطابات لاثبات الحكم لغير الحاضرين بعين الملاك المتقدم.

 
 

ــ[441]ــ

فالنتيجة: أ نّه لا بأس بهذه الثمرة.
نتائج البحوث المتقدمة عدّة نقاط:
الاُولى: أنّ ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) وتبعه فيه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من الفرق بين الفحص في المقام والفحص في موارد الاُصول العملية، فانّ الفحص هنا عن وجود المزاحم والمانع مع ثبوت المقتضي، وأمّا الفحص هناك إنّما هو عن ثبوت أصل المقتضي لها، لا يمكن المساعدة عليه، لما عرفت من أ نّه لا فرق بين الفحص فيما نحن فيه والفحص هناك.
الثانية: أنّ ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب من عدم جواز التمسك بعموم العام قبل الفحص هو الصحيح وإن كان ما استدلوا عليه من الوجوه مخدوشة بتمامها.
الثالثة: قد يستدل على وجوب الفحص بالعلم الاجمالي بوجود مخصصات ومقيدات، وهذا العلم الاجمالي أوجب لزوم الفحص عنها، حيث إنّ أصالة العموم لا تجري ما لم ينحل العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم. وناقش في انحلال هذا العلم الاجمالي شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وقد تقدم بشكل موسّع أنّ العلم الاجمالي ينحل، وما أفاده شـيخنا الاُستاذ (قدس سره) من عدم الانحلال لا يرجع إلى معنىً محصّل، وبالتالي ذكرنا أنّ العلم الاجمالي لا يصلح أن يكون مدركاً لوجوب الفحص.
الرابعة: أنّ الدليل على وجوب الفحص بعينه هو الدليل على وجوبه في موارد الاُصول العملية، وقد ذكرنا هناك أنّ الدليل عليه أمران: أحدهما حكم العقل بذلك. وثانيهما: الآيات والروايات الدالتان على وجوب التعلم والفحص.

ــ[442]ــ

الخامسة: أنّ النزاع المعقول في شمول الخطابات الشفاهية للمعدومين والغائبين إنّما هو في وضع أدوات الخطاب وأ نّها موضوعة للدلالة على عموم الألفاظ الواقعة عقيبها للمعدومين والغائبين، أو موضوعة للدلالة على اختصاصها بالحاضرين فحسب. ثمّ إنّه لا يمكن أن يكون النزاع في توجيه الخطاب إلى المعدومين والغائبين حقيقةً فانّه غير معقول، نعم توجيه الخطاب إليهم انشاءً أو بداع آخر كاظهار العجز أو التحسر أو نحو ذلك أمر معقول.
السادسة: ذكرنا للمسألة ثمرتين:
الاُولى: أ نّه على القول بعموم الخطاب للغائبين بل المعدومين فالظواهر حجة بالخصوص، وعلى القول بعدم عمومه فلا تكون حجةً عليهم كذلك. وأورد على هذه الثمرة صاحب الكفاية (قدس سره) بأ نّها تبتني على مقدمتين، وكلتاهما خاطئة.
الثانية: أ نّه على القول بعموم الخطاب يجوز التمسك بعمومات الكتاب والسنّة بالاضافة إلى الغائبين والمعدومين، وعلى القول بعدم عمومه لا يجوز التمسك بها. وهذه الثمرة لا بأس بها، ولا يرد عليها ما أورده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره).




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net