في أنّ الكلي الطبيعي هي الماهية المهملة - كلام المحقق النائيني في المقام 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 9142

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الكلي الطبيعي عبارة عن الماهية المهملة دون غيرها، خلافاً لشيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) حيث قد صرّح بأنّ الكلي الطبيعي الصادق على كثيرين هو اللابشرط القسمي دون المقسمي، بدعوى أنّ اللا بشرط المقسمي عبارة عن الطبيعة الجامعة بين الكلي المعبّر عنه باللا بشرط القسمي الممكن صدقه على كثيرين، والكلي المعبّر عنه بالماهية المأخوذة بشرط لا الممتنع صدقه على الأفراد الخارجية، والكلي المعبّر عنه الماهية بشرط شيء الذي لا يصدق إلاّ على أفراد ما اعتبر فيه الخصوصية.
ومن الطبيعي أ نّه يستحيل أن يكون الجامع بين هذه الأقسام هو الكلي الطبيعي، لأنّ الكلي الطبيعي هو الكلي الجامع بين الأفراد الخارجية الممكن صدقه عليها، فهو حينئذ قسيم للكلي العقلي الممتنع صدقه على الأفراد الخارجية، ولا يعقل أن يكون قسيم الشيء مقسماً له ولنفسه، ضرورة أنّ المقسم لا بدّ من أن يكون متحققاً في ضمن جميع أقسامه، ولا يعقل أن تكون الماهية المعتبرة فيها خصوصية على نحو تصدق على الأفراد الخارجية متحققة في ضمن الماهية المعتبرة فيها خصوصية على نحو يمتنع صدقها على ما في الخارج، وعليه فلا مناص من الالتزام بكون الجامع بين الأقسام هو الماهية الجامعة بين ما يصح صدقه على ما في الخارج وما يمتنع صدقه عليه، فالمقسم أيضاً وإن كان قابلاً للصدق على الأفراد الخارجية لفرض أ نّه متحقق في ضمن الماهية المأخوذة على نحو اللا بشرط القسمي وحيث إنّها صادقة على ما في الخارج،
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 421.

ــ[515]ــ

فالمقسم أيضاً كذلك، إلاّ أ نّه حيث يكون قابلاً للصدق على الكلي العقلي أيضاً فيستحيل أن يكون الجامع بين الأقسام هو نفس الجهة الجامعة بين الأفراد الخارجية المعبّر عنها بالكلي الطبيعي.
ما أفاده (قدس سره) يحتوي على عدة نقاط:
الاُولى: أنّ الماهية اللا بشرط المقسمي هي نفس الماهية من حيث هي هي.
الثانية: أنّ الكلي الطبيعي ليس هو الماهية اللا بشرط المقسمي، حيث إنّه (قدس سره) قد اعتبر في كون الشيء كلياً طبيعياً صدقه على الأفراد الخارجية فحسب دون غيرها. ومن المعلوم أنّ هذه النكتة غير متوفرة في الماهية اللا بشرط المقسمي، لفرض صدقها على الماهيات المجردة التي لا موطن لها إلاّ العقل، وعليه فلا يمكن أن تكون تلك الماهية كلياً طبيعيّاً.
الثالثة: أنّ ما يصلح أن يكون كلياً طبيعيّاً هو الماهية اللا بشرط القسمي، حيث إنّ النكتة المتقدمة وهي الصدق على الأفراد الخارجية فحسب دون غيرها متوفرة فيها.
ولنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط:
أمّا النقطة الاُولى: فهي وإن كانت معروفةً بينهم إلاّ أ نّها خاطئة جداً ولا واقع موضوعي لها، وذلك لما عرفت من أنّ الماهية من حيث هي هي بعينها هي الماهية المهملة التي كان النظر مقصوراً على ذاتها وذاتياتها وغير ملاحظ معها شيء خارج عنهما، بل قلنا إنّها مهملة بالاضافة إلى جميع الخصوصيات الذهنية والخارجية حتى عنوان إهمالها وقصر النظر عليها، ولذا لا يصح حمل شيء عليها في إطار هذا اللحاظ إلاّ الذات فيقال: الانسان حيوان ناطق، وهذا بخلاف الماهية اللا بشرط المقسمي، فانّ عنوان المقسمية قد لوحظ معها فلا

ــ[516]ــ

يكون النظر مقصوراً على الذات والذاتيات، فاذن كيف تكون الماهية اللا بشرط المقسمي هي الماهية المهملة ومن حيث هي هي.
وأمّا النقطة الثانية: فهي وإن كانت صحيحةً إلاّ أ نّها ليست من ناحية ما أفاده (قدس سره) بل من ناحية اُخرى، وهي أنّ الماهية اللا بشرط المقسمي لا تحقق لها إلاّ في ضمن أحد أقسامها من الماهية المجردة والمخلوطة والمطلقة كما هو الحال في كل مقسم بالاضافة إلى أقسامه، وما يعرض عليه أحد اللحاظات المتقدمة هو الماهية المهملة دون الماهية اللا بشرط المقسمي، نظراً إلى أ نّه لا وجود لها ولا تحقق في اُفق النفس مع قطع النظر عن هذه التقسيمات، ضرورة أنّ عنوان المقسمية عنوان انتزاعي وهو منتزع بلحاظ عروض هذه التقسيمات على الماهية ومتفرع عليها فكيف يعقل أن تعرض تلك التقسيمات عليها بلحاظ هذا العنوان الانتزاعي وتكون متفرعة عليه. أو فقل انّ عروض هذا العنوان ـ المقسمية ـ على الماهية إنّما هو في مرتبة متأخرة عن عروض تلك التقسيمات عليها، ومعه كيف يعقل أن تكون تلك التقسيمات عارضة على الماهية المعنونة بهذا العنوان.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة: وهي أنّ الماهية اللا بشرط المقسمي ـ يعني المعنونة بهذا العنوان ـ كما لا تصلح أن تكون محلاً لعروض الأقسام المتقدمة، كذلك لا تصلح أن تكون كلياً طبيعياً.
أمّا الأوّل فلأمرين: الأوّل ما عرفت من أنّ لحاظها مع هذا العنوان في مرتبة متأخرة عن لحاظ تلك الأقسام ومتفرّع عليه، ومعه كيف تكون محلاً لعروض تلك الأقسام. الثاني: أ نّها مع هذا العنوان غير قابلة للانطباق على ما في الخارج حيث إنّه لا موطن له إلاّ العقل.

ــ[517]ــ

وأمّا الثاني فيظهر وجهه مما عرفت، فانّ الكلي الطبيعي ما هو قابل للانطباق على ما في الخارج، والمفروض أ نّها مع هذا العنوان غير قابلة لذلك ومعه كيف تكون كلياً طبيعياً، وأمّا مع قطع النظر عن ذلك العنوان فهي ليست الماهية اللا بشرط المقسمي، بل هي الماهية المهملة.
وعلى الجملة: فالماهية مع هذا العنوان ـ أي عنوان المقسمية ـ غير قابلة للانطباق على ما في الخارج حيث لا وجود لها إلاّ في الذهن فلا تصلح أن تكون كلياً طبيعياً، وأمّا مع قطع النظر عن هذا العنوان فهي وإن كانت قابلةً للانطباق على الخارجيات وتصلح أن تكون كلياً طبيعياً، إلاّ أ نّها ليست حينئذ الماهية اللا بشرط المقسمي، بل هي ماهية مهملة التي قد عرفت أ نّها عارية عن جميع الخصوصيات ولم تلحظ معها أيّة خصوصية من الخصوصيات: الذهنية والخارجية.
وقد تقدم أنّ اسم الجنس موضوع لها وأنّ الخصوصيات بشتى أشكالها وألوانها طارئة عليها في ظرف الاستعمال، حيث إنّ الغرض قد يتعلق بالماهية المجردة، وقد يتعلق بالماهية المخلوطة، وقد يتعلق بالماهية المطلقة، وهذه الماهية هي التي تصلح أن تكون محلاً لعروض اللحاظات المتقدمة، فانّها بأجمعها ترد عليها.
وأمّا النقطة الثالثة: فيظهر حالها مما تقدم، بيان ذلك: أنّ المعتبر في الماهية اللا بشرط القسمي هو انطباقها بالفعل على جميع أفرادها ومصاديقها، حيث إنّ السريان الفعلي قد لوحظ فيها رغم أ نّه غير ملحوظ في الكلي الطبيعي، إذ لا يعتبر فيه إلاّ إمكان انطباقه على الخارجيات دون فعليته، ونقصد بالفعلية والامكان لحاظ الماهية فانيةً بالفعل في جميع مصاديقها وعدم لحاظها كذلك، فعلى الأوّل هي اللا بشرط القسمي وعلى الثاني هي الكلي الطبيعي.

ــ[518]ــ

فالنتيجة في نهاية المطاف: أنّ الكلي الطبيعي هو الماهية المهملة لا الماهية اللا بشرط المقسمي كما عن السبزواري(1) ولا الماهية اللا بشرط القسمي كما عن شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(2) هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: قد ظهر مما تقدم أنّ أسماء الأجناس موضوعة للماهية المهملة دون غيرها.
ومن ناحية ثالثة: قد تبيّن مما ذكرناه أنّ ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره)(3) من أنّ الماهية المطلقة لا وجود لها إلاّ في الذهن وأ نّها كلي عقلي خاطئ جداً، ومنشأ الخطأ تخيّل أنّ لحاظ السريان قد اُخذ قيداً لها، ومن الطبيعي أنّ الماهية المقيدة به لا موطن لها إلاّ الذهن. ولكنّه تخيل فاسد، فانّ معنى لحاظ سريانها هو لحاظها فانيةً في جميع مصاديقها وأفرادها الخارجية بالفعل من دون أخذ اللحاظ قيداً لها، فالمعتبر فيها هو واقع السريان الفعلي لا لحاظه الذهني ووجوده في اُفق النفس، فمعنى الارسال والاطلاق هو عدم دخل خصوصية من الخصوصيات الخارجية في الحكم الثابت لها، لما ذكرناه غير مرّة من أنّ معنى الاطلاق هو رفض القيود وعدم دخل شيء منها فيه.
ومن البديهي أنّ السريان الفعلي من لوازم لحاظ الماهية كذلك، ففي مثل قولنا: النار حارة الملحوظ فيه هو طبيعة النار مطلقة، أي مرفوضة عنها جميع القيود والخصوصيات وعدم دخل شيء منها في ثبوت هذا الحكم لها وهو الحرارة، ومن المعلوم أنّ السريان الفعلي وانطباقها على جميع أفرادها الخارجية
ـــــــــــــــــــــ
(1) شرح المنظومة (المنطق): 21 ـ 22.
(2) تقدم مصدره في ص 514.
(3) كفاية الاُصول: 244.

ــ[519]ــ

بالفعل من لوازم إطلاقها وإرسالها كذلك.
وكذا قولنا: الانسان كاتب بالقوة أو مركب من الروح والبدن حيث لم يلحظ فيه إلاّ طبيعة الانسان مطلقة، أي من دون لحاظ أيّة خصوصية معها كالقصير والطويل والشاب والشيخ والعرب والعجم والذكر والاُنثى وما شاكل ذلك، ومن الطبيعي أنّ الانسـان الملحوظ كذلك ينطبق على جميع أفراده ومصاديقه بالفعل، وعليه فالحكم الثابت له لا محالة يسري إلى جميع أفراده في الخارج من دون اعتبار




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net