وضع النكرة - عدم استلزام التقييد للتجوز 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4100

ومنها: النكرة، ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) أ نّها تستعمل مرّة في المعيّن المعلوم خارجاً عند المتكلم وغير معلوم عند المخاطب كقوله تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى ا لْمَدِينَةِ رَجُلٌ)(2) ومرةً اُخرى في الطبيعي المقيد بالوحدة كقولنا: جئني برجل، ومن هنا يصح أن يقال: جئني برجل أو رجلين ولا يصح أن يقال: جئني بالرجل أو رجلين، والنكتة فيه: أنّ التثنية لا تقابل
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 246.
(2) يس 36: 20.

ــ[528]ــ

باسم الجنس، حيث إنّه يصدق على الواحد والكثير على السواء، وما هو المعروف في الألسنة من أنّ النكرة وضعت للدلالة على الفرد المردد في الخارج خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلاً، ضرورة أ نّه لا وجود للفرد المردد في الخارج، حيث إنّ كل ما هو موجود فيه متعيّن لا مردد بين نفسه وغيره فانّه غير معقول.
وبكلمة اُخرى: أنّ مرادهم من ذلك هو ما ذكرناه من أ نّها استعملت في الطبيعة المقيدة بالوحدة القابلة للانطباق على كثيرين في الخارج، حيث إنّها بهذا القيد أيضاً كلّي.
وعليه فما ذكره (قدس سره) في ذيل كلامه متين جداً، وذلك لا لأجل أنّ النكرة موضوعة للطبيعة المقيدة بالوحدة تارةً وللطبيعة المهملة التي هي الموضوع له لاسم الجنس مرةً اُخرى كما يظهر من عبارته (قدس سره) في بدو الأمر، ضرورة عدم تعدد الوضع فيها، بل هي موضوعة للطبيعة الجامعة بين جميع الخصوصيات فحسب وقد استعملت فيها دائماً، والوحدة إنّما تستفاد من دال آخر ـ وهو التنوين للتنكير ـ فيكون من تعدد الدال والمدلول في مقابل التعريف والتنوين للتمكن، فانّ الاسم المعرب لا يستعمل في لغة العرب إلاّ مع إحدى هذه الخصوصيات: الاضافة أو التنوين أو الألف واللام، فلا يستقر إلاّ باحداها حيث إنّ تمكنه بها.
وعليه فما ذكره (قدس سره) من أنّ رجلاً في قولنا: جئني برجل يدل على الطبيعي المقيد بالوحدة ليس المراد استعماله فيه، بل المراد أنّ الرجل استعمل في الطبيعي الجامع والوحدة مستفادة من دال آخر.
وأمّا ما ذكره (قدس سره) في صدر كلامه من أنّ النكرة قد تستعمل في

ــ[529]ــ

الواحد المعيّن عند المتكلم والمجهول عند المخاطب كما في قوله تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى ا لْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى)(1) فلا يمكن الأخذ به، ضرورة أنّ لفظ (رَجُلٌ) في الآية لم يستعمل في المعيّن الخارجي المجهول عند المخاطب، بل استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة من باب تعدد الدال والمدلول، غاية الأمر أنّ مصداقه في الخارج معلوم عند المتكلم ومجهول عند المخاطب.
ومن الطبيعي أنّ هذا لا يوجب استعمال اللفظ فيه. وكذا الحال في الفعل الماضي أو المضارع أو الأمر كقولنا: جئني برجل أو جاء رجل أو ما شاكل ذلك، فانّ لفظ الرجل في جميع هذه الأمثلة استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة بنحو تعدد الدال والمدلول، وإن افترض أنّ مصداقه في الخارج معلوم للمتكلم وغير معلوم للمخاطب إلاّ أ نّه لم يستعمل فيه جزماً، كما إذا أمره باتيان كتاب وكان الكتاب معلوماً لديه في الخارج ولكنّه غير معلوم لدى المخاطب، لم يستعمل في هذا المعلوم المعيّن خارجاً وإنّما استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة.
فالنتيجة: أنّ النكرة لم تستعمل في المعيّن الخارجي ولا المعيّن عند الله تعالى، باعتبار أ نّه (سبحانه وتعالى) يعلم بأ نّه يأتي بالفرد الفلاني المعيّن في الواقع، بل هي تستعمل دائماً في الطبيعي الجامع، والوحدة مستفادة من دال آخر. فاذن لا فرق بين النكرة واسم الجنس أصلاً، فالنكرة هي اسم الجنس غاية الأمر يدخل عليها التنوين ليدل على الوحدة.
ثمّ إنّك قد عرفت في ضمن البحوث السالفة أنّ اللفظ موضوع للماهية الجامعة بين تمام الخصوصيات التي يمكن أن تعرض عليها، وقد يعبّر عنها بالماهية المهملة التي هي فوق جميع الماهيات كما تقدم بشكل موسّع.
ـــــــــــــــــــــ
(1) يس 36: 20.

ــ[530]ــ

ومن الواضح أنّ الاطلاق والتقييد من الخصوصيات الطارئة على الماهية التي وضع اللفظ بازائها، فهما خارجان عن حريم المعنى الموضوع له، وهذا هو المعروف بين المتأخرين وهو الصحيح، وعليه فالتقييد لا يستلزم المجاز، فانّ اللفظ استعمل في معناه الموضوع له، والتقييد مستفاد من دال آخر، بل لو كان موضوعاً للمطلق بمعنى اللا بشرط القسمي كما هو المعروف بين القدماء فأيضاً لا يستلزم التقييد المجاز، فانّ المراد الاستعمالي منه هو المطلق واللفظ قد استعمل فيه، والتقييد إنّما يدل على أنّ المراد الجدي هو المقيد دون المطلق، ولا يدل على أنّ اللفظ قد استعمل في المقيد، هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: أنّ المحمول تارةً يكون من المعقولات الثانوية كقولنا: الانسان نوع والحيوان جنس والضاحك عرض خاص وهكذا، ففي مثل ذلك فالموضوع هو الماهية ولا ينطبق على الموجود الخارجي، لوضوح أنّ زيداً مثلاً ليس بنوع، والبقر ليس بجنس، وضحك زيد ليس بعرض خاص وهكذا، فلا يسري المحمول إلى حصصه وأفراده في الخارج، فهذا القسم خارج عن محل الكلام هنا ـ وهو البحث عن إطلاق الموضوع وتقييده ـ وتارة اُخرى يكون المحمول من غيرها مما هو قابل السراية إلى حصص الموضوع وأفراده في الخارج، وهذا القسم هو محل الكلام في المقام.
وعلى ذلك فالموضوع أو المتعلق لا يخلو من أن يكون مطلقاً بمعنى الارسال أو مقيداً بأمر وجودي أو عدمي، فإن كانت هناك قرينة شخصية على أحدهما فهو، وإن لم تكن قرينة كذلك فهل هنا قرينة عامة على تعيين أحدهما أو لا، فقد ذكروا لتعيين الاطلاق قرينةً عامةً تسمى بمقدمات الحكمة، فان تمّت تلك المقدمات ثبت الاطلاق وإلاّ فلا.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net