التنبيه الثاني - التنبيه الثالث - التنبيه الرابع 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4525

 

التنبيه الثاني

 أ نّه ربّما يستدل لحرمة التجري بالروايات الدالة على العقاب بقصد المعصية. وهناك روايات اُخر دالة على عدم العقاب بالقصد (1)، وقد يجمع تارةً بين هاتين الطائفتين بحمل الطائفة الاُولى على القصد مع الاشتغال ببعض المقدّمات. والطائفة الثانية على القصد المجرد. واُخرى بحمل الطائفة الاُولى على ما إذا لم يرتدع من قصده حتّى حال بينه وبين العمل مانع قهري، والطائفة الثانية على ما إذا ارتدع عن قصده بنفسه، ويجعل الشاهد على هذا الجمع هو النبوي الدال على أ نّه إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول كلاهما في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال (صلّى الله عليه وآله): لأ نّه أراد قتل صاحبه (2) فانّ ظاهر التعليل هو ارادة القتل وعدم ارتداعه عن قصده، وعدم تمكنه منه.

هذا، ولكن التحقيق عدم صحّة الاستدلال بالروايات الدالّة على ترتّب العقاب على قصد المعصية لحرمة التجري مع قطع النظر عن ابتلائها بالمعارض لوجوه:

 الأوّل: أ نّها قاصرة من حيث السند أو من حيث الدلالة، فانّا راجعناها بتمامها ورأينا أنّ ما يدل على المقصود ضعيف السند، كالنبوي المذكور (3)، وما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 1: 51 و 52 و 55 / أبواب مقدّمة العبادات ب 6 ح 6 و 7 و 8 و 10 و 20 و 21.

(2) الوسائل 15: 148 / أبواب جهاد العدو ب 67 (باختلاف يسير).

(3) [ سند النبوي تام على مبانيه (قدس سره) فلاحظ ].

ــ[30]ــ

هو تام سنداً قاصر من حيث الدلالة، راجع الوسائل أبواب مقدّمة العبادات(1).

 الثاني: أنّ مفادها هي المؤاخذة والمحاسبة على نيّة المعصية الواقعية وقصد ارتكاب الحرام الواقعي، كما هو مورد النبـوي المذكور، فلا ربط لها بالحرام الخيالي وما يعتقده المكلف حراماً، مع عدم كونه حراماً في الواقع.

 الثالث: أ نّه لو سلّمنا كون مفادها أعم من ذلك لا دلالة لها على حرمة الفعل المتجرى به شرعاً، كما هو محل الكلام ومورد الاستدلال، غاية ما فيها أنّ القصد ممّا يحاسب به ويعاقب عليه، وهذا التعبير لا يدل على أزيد ممّا كان العقل مستقلاً به من استحقاق المتجري للعقاب، فلا يدل على حرمة الفعل المتجرى به شرعاً.
 

التنبيه الثالث

 ذكر صاحب الفصول (قدس سره) (2) أنّ قبح التجري لا يكون ذاتياً، بل يختلف بالوجوه والاعتبارات، فإذا صادف الفعل المتجرى به المعصية الواقعية كان فيه ملاكان للقبح: ملاك التجري وملاك المعصية الواقعية، فلا محالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1: 50 و 56 / أبواب مقدّمة العبادات ب 6 ح 3 و 4 و 22، راجع أيضاً ب 7 ح 1 و 5، و ب 5 ح 5، وهناك روايات استُدلّ بها على حرمة التجري ولم تذكر في مقدّمة العبادات منها: ما دلّ على أن من رضي بأمر كان كمن شهده، راجع الوسائل 16: 137/ أبواب الأمر والنهي ب 5 ح 2 وغيره. ومنها: ما دلّ على العقاب على فعل بعض المقدّمات بقصد ترتب الحرام كغرس الخمر، راجع الوسائل 17: 224 / أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 4 و 5.

(2) الفصول الغروية: 431 و 432 / فصل في أنّ جاهل الحكم غير معذور، راجع أيضاً ص 87 من الفصول.

ــ[31]ــ

يتداخل العقابان، وقبح التجري ـ في هذا الفرض ـ يكون أشد ممّا إذا كان الفعل المتجرى به في الواقع مكروهاً، كما أنّ القبح ـ في هذا الفرض أيضاً ـ أشد ممّا إذا كان الفعل المتجرى به مباحاً، والقبح فيه أشد ممّا إذا كان الفعل المتجرى به مستحباً، وأمّا إذا كان الفعل المتجرى به واجباً في الواقع، فيقع التزاحم بين ملاك الوجوب وملاك قبح التجري، فربّما يتساويان، وربّما يكون ملاك الوجوب أقوى فيتقدم، وربّما يكون ملاك قبح التجري أقوى فيكون قبيحاً، انتهى.

 وما ذكره مشتمل على دعاو ثلاث:

 الاُولى: أنّ القبح لا يكون ذاتياً للتجري، بل قابل لأن يختلف بالوجوه والاعتبارات.

 الثانية: أنّ الجهات الواقعية ـ بواقعيتها ومع عدم الالتفات إليها ـ توجب اختلاف التجري من حيث مراتب القبح، بل توجب زواله في بعض الموارد.

 الثالثة: تداخل العقابين عند مصادفة المعصية الواقعية.

 وهذه الدعاوي فاسدة بتمامها:

 أمّا الدعوى الاُولى: ففيها أنّ التجري على المولى وهتكه بنفسه مصداق للظلم، والقبح لا ينفك عن الظلم، فلا ينفك عن التجري، بل يترتب عليه نحو ترتب المعلول على علّته التامّة.

 وأمّا الدعوى الثانية: ففيها أ نّه لو سلّمنا اختلاف التجري من حيث القبح، لا يمكن أن يكون الأمر غير الاختياري رافعاً لقبحه، لما ذكرناه سابقاً(1) من أنّ الجهات التي لها دخل في الحسن والقبح لا بدّ من أن تكون من الاُمور

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 24.

ــ[32]ــ

الاختيارية الملتفت إليها، ومصادفة الجهات الواقعية ليست من الاُمور الاختيارية ولا ممّا يلتفت إليها المكلف.

 وأمّا الدعوى الثالثة: ففيها أنّ استحقاق العقاب دائماً يدور مدار هتك المولى والتعدي عليه، بلا فرق في ذلك بين التجري والمعصية الواقعية، وليس في المعصية الواقعية إلاّ هتك واحد، فلا ملاك لتعدّد العقاب حتّى نلتزم بالتداخل، ولعلّه لوضوح أنّ العاصي لا يستحق إلاّ عقاباً واحداً التزم صاحب الفصول بالتداخل مع الالتزام بتعدّد المـلاك، والصحيح أ نّه لا تعدّد في المـلاك على ما عرفت، فلا تصل النوبة إلى التداخل.
 

التنبيه الرابع

 ظهر بما ذكرناه أنّ استحقاق العقاب إنّما هو على نفس التجري، أعني الاتيان بالفعل المتجرى به، لا على العزم والاختيار كما أفاده في الكفاية فوقع في إشكال استلزامه العقاب على أمر غير اختياري، وأجاب عنه بأنّ العقاب من تبعات البعد عن المولى الناشئ من الشقاوة الذاتية التي هي نظير إنسانية الانسان وحمارية الحمار، وغير قابلة للتعليل (1).

 وبما ذكرناه من أنّ العقاب إنّما هو على الفعل لا على القصد يندفع الاشكال من أصله. وأمّا ما ذكره من أمر الشقاوة الذاتية فقد تقدّم الجواب عنه في بحث الطلب والارادة بما لا مزيد عليه (2) ولا نعيد، وذكرنا هناك أنّ الاختيار ليس أمراً غير اختياري، بل اختياري بنفسه، وغيره اختياري بالاختيار، إذ كل ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 260 و 261.

(2) محاضرات في اُصول الفقه 1: 456.

ــ[33]ــ

بالغير لا بدّ من أن ينتهي إلى ما بالذات (1).
 ـــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 402 ـ 403.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net