التنبيه الثاني
بعد ما عرفت أنّ تنجيز العلم الاجمالي وعدمه يدور مدار جريان الاُصول في أطرافه وعدمه، يظهر لك أ نّه لا ملازمة بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية، بل يمكن التفكيك بينهما فيما إذا جرى الأصل في بعض الأطراف دون بعض لجهة من الجهات، فلا تجب الموافقة القطعية وإن حرمت المخالفة القطعية. نعم، فيما إذا لم يجر الأصل في شيء من الأطراف للمعارضة، تجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية، فإذا علم إجمالاً بحرمة أحد المائعين مثلاً، كانت أصالة الاباحة في كل منهما معارضة بمثلها في الآخر، فتجب الموافقة القطعية بالاجتناب عنهما، كما تحرم المخالفة القطعية بارتكابهما معاً. وأمّا إذا علم بحرمة الجلوس في إحدى الغرفتين في زمان معيّن، فيسقط الأصلان للمعارضة، وتجب الموافقة القطعية بترك الجلوس فيهما وإن كانت المخالفة القطعية
ــ[422]ــ
غير محرّمة لعدم التمكن منها، وعليه فلا وجه لما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) (1) من عدم وجوب الموافقة القطعية فيما إذا لم تحرم المخالفة القطعية، ورتّب على هذا جواز الاقتحام في أطراف الشبهة غير المحصورة، من جهة عدم حرمة المخالفة القطعية، لعدم التمكن منها.
وعلى الجملة: فالنسبة بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية هي العمـوم من وجه، ويظهر الافتراق من الجانبين واجتماعهما فيما ذكرنا من الأمثلة. ــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 3: 472 و 473، فوائد الاُصول 4: 118 و 119.
|