التنبيه الخامس
لو كان الأثر في بعض أطراف العلم الاجمالي أكثر من البعض الآخر، فقد يكون بينهما قدر مشترك، وقد لا يكون.
أمّا القسم الثاني: فلا إشكال في تنجيز العلم الاجمالي فيه، فيجب ترتيب الآثار المتباينة بأجمعها، كما إذا علم بوجوب قراءة سورة يس أو سورة التوحيد في ليلة الجمعة مثلاً بنذر ونحوه، فانّ سورة يس وإن كانت أكثر من سورة التوحيد، إلاّ أ نّه لمّا لم يكن بينهما قدر مشترك ليكون هو المتيقن، كان العلم الاجمالي منجّزاً بالنسبة إلى السورتين.
ــ[428]ــ
وأمّا القسم الأوّل: وهو ما كان بين الأطراف أثر مشترك مع اختصاص أحد الأطراف بأثر خاص، كما إذا علم إجمالاً بوقوع نجاسة في الاناء الذي فيه ماء مطلق، أو في الاناء الآخر الذي فيه مائع مضاف، فانّ أثر النجاسة في كلا الطرفين هو حرمة الشرب، وهذا هو الأثر المشترك فيه، لكن الماء المطلق يختص بأثر آخر وهو عدم جواز التوضي به على تقدير وقوع النجاسة فيه، فلو كانت النجاسة واقعةً في المائع المضاف لا يترتب عليه إلاّ حرمة شربه. وأمّا لو كانت واقعة في المطلق ترتب عليه حرمة الشرب وعدم جواز التوضي به، ففي تنجيز هذا العلم الاجمالي من حيث جميع الآثار أو من حيث الأثر المشترك فيه فقط، وجهان.
ذهب المحقق النائيني (قدس سره) إلى الثاني (1)، بدعوى أنّ الأصل في كل طرف يتعارض بمثله في الطرف الآخر بالنسبة إلى الأثر المشترك فيه، فيسقط في كل من الطرفين فيكون العلم الاجمالي منجّزاً بالنسبة إليه. وأمّا بالنسبة إلى الأثر المختص ببعض الأطراف، فيجري فيه الأصل بلا معارض، ففي المثال المتقدم لا يجوز شرب المائع المضاف ولا شرب الماء المطلق، ولكن لا مانع من التوضي به.
والتحقيق أنّ العلم الاجمالي منجّز بالنسبة إلى جميع الآثار، وذلك لأنّ جواز التوضي به متفرّع على جريان قاعدة الطهارة فيه، فإذا فرض عدم جريانها للمعارضة، فلا طريق للحكم بطهارته كي يجوز التوضي به، فانّ نفس احتمال نجاسة الماء مانع عن التوضي به لو لم يكن ما يوجب الحكم بطهارته ظاهراً.
هذا كلّه في فرض تعدد الموضوع وتحقق العلم الاجمالي بثبوت حكم واحد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 3: 429، فوائد الاُصول 4: 50.
ــ[429]ــ
لموضوع واحد، أو ثبوت حكمين لموضوع آخر، كما في المثال المتقدِّم. وأمّا لو كان الموضوع واحداً، وكان الترديد في السبب الذي تعلّق به العلم الاجمالي، كما لو علم إجمالاً بأ نّه استدان من عمرو عشرة دراهم، أو أ نّه أتلف من ماله ما يساوي عشرين درهماً، ففي مثل ذلك يكون القدر المشترك معلوم التحقق، والزائد مشكوك الحدوث، فيرجع فيه إلى الأصل، إذ الترديد في السبب لا ينافي انحلال الحكم المسبب إلى المتيقن والمشكوك فيه، فانّ الموجب للتنجز إنّما هو العلم بنفس التكليف لا بسببه.
ولا يخفى أنّ ما ذكرناه في الفرض الأخير إنّما هو فيما إذا لم يكن فيه أصل موضوعي حاكم على أصالة البراءة ونحوها، فلو دار الأمر بين كون نجاسـة الثوب مستندةً إلى ملاقاة الدم أو البول، لايمكن الرجوع إلى أصالة عدم وجوب غسله ثانياً، باعتبار أنّ وجوب الغسل الأوّل معلوم، والغسل الثاني مشكوك الوجوب، فيرجع إلى البراءة، وذلك لأنّ استصحاب النجاسة قبل الغسلة الثانية حاكم على أصالة البراءة كما هو ظاهر.
|