2 ـ دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء التحليلية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4184


  المقام الثاني: في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء التحليلية وهو على أقسام ثلاثة:

  القسم الأوّل: أن يكون ما يحتمل دخله في المأمور به على نحو الشرطية موجوداً مستقلاً غاية الأمر أ نّه يحتمل تقيد المأمور به به، كما إذا احتمل اعتبار التستر في الصلاة مثلاً. والحكم في هذا القسم هو ما ذكرناه في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء الخارجية من جريان البراءة عقلاً ونقلاً، فانّ الأقل المتيقن الذي تعلّق التكليف به أمره دائر بين الاطلاق والتقييد، فتجري أصالة البراءة عن الاشـتراط. ولا تعارضها أصالة البراءة عن الاطلاق، لعدم كون الاطلاق ضيقاً على المكلف، فلا يكون مورداً للبراءة في نفسـه، ويجري في المقام جميع الاشكالات المتقدمة والموانع من جريان البراءة. والجواب عنها هو ما تقدّم حرفاً بحرف، ولا حاجة إلى الاعادة.

ــ[517]ــ

  القسم الثاني: أن يكون ما يحتمل دخله في الواجب أمراً غير مستقل عنه خارجاً، ولم يكن من مقوماته الداخلة في حقيقته، بل كانت نسبته إليه نسبة الصفة إلى الموصوف والعارض إلى المعروض، كما لو دار أمر الرقبة الواجب عتقها بين كونها خصوص المؤمنة أو الأعم منها ومن الكافرة. وهذا القسم كسابقه في جريان البراءة العقلية والنقلية فيه بملاك واحد، فانّ تعلّق التكليف بالطبيعي المردد بين الاطلاق والتقييد معلوم إجمالاً، فتجري أصالة البراءة عن التقييد بلا معارض، ولا تعارض بأصالة البراءة عن الاطلاق، لعدم كون الاطلاق ضيقاً وكلفة على المكلف، ولا يكون مجرىً للأصل في نفسه كما مرّ مراراً.

  واستشكل صاحب الكفاية (1) (قدس سره) في جريان البراءة العقلية فيه وفي سابقه بدعوى أنّ جريان البراءة في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر مبني على انحلال العلم الاجمالي بكون الأقل متيقناً على كل تقدير، والمقام ليس كذلك، لأنّ وجود الطبيعي في ضمن المقيّد متحد معه بل عينه خارجاً، ووجود الطبيعي في ضمن غيره ممّا هو فاقد للقيد مباين له، فلا يكون هناك قدر متيقن في البين لينحل به العلم الاجمالي وتجري أصالة البراءة.

  وفيه أوّلاً: أنّ الملاك في الانحلال جريان الأصل في بعض الأطراف بلا معارض كما مرّ مراراً، والمقام كذلك، فانّ تعلّق التكليف بطبيعي الرقبة المردد بين الاطلاق بالنسبة إلى الإيمان والكفر أو التقييد بخصوص الإيمان معلوم وهذا هو القدر المتيقن، إنّما الشك في خصـوصية الاطلاق والتقييد، وحيث إنّ في الاطلاق توسعة على المكلف لا ضيقاً وكلفة عليه، فلا يكون مورداً لجريان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 367.

ــ[518]ــ

الأصل في نفسه، فتجري أصالة البراءة عن التقييد بلا معارض.

  وبعبارة اُخرى: المراد من كون الأقل متيقناً الموجب لانحلال العلم الاجمالي ليس هو المتيقن في مقام الامتثال، كي يقال إنّ وجود الطبيعي في ضمن المقيّد مباين مع وجوده في ضمن غيره، فلا يكون هناك قدر متيقن، بل المراد هو المتيقن في مقام تعلّق التكليف وثبوته، ولا ينبغي الاشكال في وجود القدر المتيقن في هذا المقام، فانّ تعلّق التكليف بالطبيعي المردد بين الاطلاق والتقييد متيقن، إنّما الشك في خصوصية الاطلاق والتقييد فتجري البراءة عن التقييد بلا معارض على ما ذكرناه مراراً.

  وثانياً: أنّ هذا الاشكال لو تمّ لجرى في الشك في الجزئية أيضاً، وذلك لأن كل واحد من الأجزاء له اعتباران: الأوّل: اعتبار الجزئية وأنّ الوجوب المتعلق بالمركب متعلق به ضمناً. الثاني: اعتبار الشرطية وأنّ سائر الأجزاء مقيّد به، لأنّ الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين، فيكون الشك في الجزئية شكاً في الشرطية بالاعتبار الثاني، فيجري الاشكال المذكور، فلا وجه لاختصاصه بالشك في الشرطية.

  القسم الثالث: أن يكون ما يحتمل دخله في الواجب مقوّماً له، بأن تكون نسبته إليه نسبة الفصل إلى الجنس، كما إذا تردد التيمم الواجب بين تعلّقه بالتراب أو مطلق الأرض الشامل له وللرمل والحجر وغيرهما، وكما إذا أمر المولى عبده باتيان حيوان فشكّ في أ نّه أراد خصوص الفرس أو مطلق الحيوان، ففي مثله ذهب صاحب الكفاية (قدس سره) والمحقق النائيني (قدس سره) إلى عدم جريان البراءة. أمّا صاحب الكفاية فقد تقدّم وجه إشكاله والجواب عنه،

ــ[519]ــ

فلا نحتاج إلى الاعادة. وأمّا المحقق النائيني(1) (قدس سره) فذكر أنّ الجنس لا تحصّل له في الخارج إلاّ في ضمن الفصل، فلا يعقل تعلّق التكليف به إلاّ مع أخذه متميزاً بفصل، فيدور أمر الجنس المتعلق للتكليف بين كونه متميزاً بفصل معيّن أو بفصل ما من فصوله، وعليه فيكون المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير، لا من دوران الأمر بين الأقل والأكثر، لأ نّه لا معنى للقول بأن تعلّق التكليف بالجنس متيقن، إنّما الشك في تقيده بفصل، بل نقول تقيّده بالفصل متيقن، إنّما الشك والترديد في تقيّده بفصل معيّن أو فصل من فصوله، لما ذكرناه من عدم معقولية كون الجنس متعلقاً للتكليف إلاّ مع أخذه متميزاً بفصل، فيدور الأمر بين التخيير والتعيين، والعقل يحكم بالتعيين، فلا مجال للرجوع إلى البراءة عن كلفة التعيين.
ـــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 3: 507، فوائد الاُصول 4: 208.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net