تنبيهات:
التنبيه الأوّل
أ نّه بناءً على ما ذكرناه ـ من أنّ قوله (صلّى الله عليه وآله) «لا ضرر» ناظر إلى نفي تشريع الحكم الضرري ـ يختص النفي بجعل حكم إلزامي من الوجوب
ــ[619]ــ
والحرمة، فانّه هو الذي يكون العبد ملزماً في امتثاله، فعلى تقدير كونه ضررياً كان وقوع العبد في الضرر مستنداً إلى الشارع بجعله الحكم الضرري. وأمّا الترخيص في شيء يكون موجباً للضرر على نفس المكلف أو على غيره، فلا يكون مشمولاً لدليل نفي الضرر، لأنّ الترخيص في شيء لا يلزم المكلف في ارتكابه حتّى يكون الترخيص ضررياً، بل العبد باختياره وإرادته يرتكبه، فيكون الضرر مستنداً إليه لا إلى الترخيص المجعول من قبل الشارع.
وبالجملة: نفي الضرر في الحديث الشريف ـ على ما ذكرناه من المعنى ـ ليس إلاّ كنفي الحرج المستفاد من أدلة نفي الحرج، فكما أنّ المنفي بها هو الحكم الالزامي الموجب لوقوع المكلف في الحرج دون الترخيصي، إذ الترخيص في شيء حرجي لا يكون سبباً لوقوع العبد في الحرج، فكذا في المقام بلا فرق بينهما، فلا يستفاد من قوله (صلّى الله عليه وآله) «لا ضرر» حرمة الاضرار بالغير ولا حرمة الاضرار بالنفس، وإن كان الأوّل ثابتاً بالأدلة الخاصّة، بل يمكن استفادته من الفقرة الثانية في نفس هذا الحديث، وهي قوله (صلّى الله عليه وآله) «لا ضرار» بتقريب أنّ المراد من النفي في هذه الفقرة هو النهي، كما في قوله تعالى (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ)(1).
وذلك لأنّ الضرار أمر خارجي وهو كون الشخص في مقام الاضرار بالغير، فلا معنى لنفيه تشريعاً، كما لا يصح حمله على الإخبار عن عدم تحقق الاضرار في الخارج، للزوم الكذب، فلا محالة يكون المراد منه النهي عن كون الشخص في مقام الاضرار بالغير، فيدل على حرمة الاضرار بالغير بالأولوية القطعية. ولا يلزم من حمل النفي على النهي في هذه الفقرة التفكيك بين الفقرتين، لأنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2: 197.
ــ[620]ــ
المعنى في كلتيهما هو النفي، غاية الأمر كون النفي في الفقرة الاُولى حقيقياً، وفي الفقرة الثانية ادّعائياً على ما تقدّم بيانه. وهذا نظير ما ذكرناه في حديث الرفع من أنّ الرفع بالنسبة إلى ما لا يعلمون حقيقي وبالنسـبة إلى الخطأ والنسيان وغيرهما من الفقرات مجازي(1). وأمّا الثاني وهو الاضرار بالنفس فلا يستفاد حرمته من الفقرة الثانية أيضاً، لأنّ الضرار وغيره ممّا هو من هذا الباب كالقتال والجدال لا يصدق إلاّ مع الغير لا مع النفس. ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ تقدّم في ص 302 ـ 303 ما يرتبط بالمقام لكنّه اختار خلاف ما هنا ].
|