حكم تغيّر الماء بالاستعمال - حكم استعمال الغسالة في التطهير 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7003


ــ[19]ــ

وأمّا إذا غسل في الكثير فيكفي فيه نفوذ الماء ((1)) في جميع أجزائه بوصف الاطلاق ، وإن صار بالعصر مضافاً (1) ، بل الماء المعصور المضاف أيضاً محكوم بالطهارة (2) وأمّا إذا كان بحيث يوجب إضافة الماء بمجرد وصوله إليه ولا ينفذ فيه إلاّ مضافاً فلا يطهر ما دام كذلك ، والظاهر أن اشتراط عدم التغيّر أيضاً كذلك ((2)) (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) هذا إنّما يتم بناء على ما سلكه الماتن (قدس سره) من التفرقة في اشتراط العصر بين الغسل بالماء القليل والكثير . وأما بناء على ما ذكرناه من أن الغسل قد اعتبر في مفهومه العصر بلا فرق في ذلك بين أقسام المياه ، فلا مناص من اشتراط بقاء الماء على إطلاقه وعدم صيرورته مضافاً ولو بالعصر ، لأنه لولاه لم يتحقق الغسل بالماء ولا يفرق الحال في ذلك بين القليل والكثير .

   (2) لأنه قد انقلب مضافاً عن الماء الطاهر ولم يلاق شيئاً يقتضي نجاسته ، إذ المتنجِّس المغسول بالكثير قد طهر بغسله ـ  بناء على عدم اعتبار العصر في مفهومه  ـ فلا موجب لنجاسة الماء المعصور المضاف لوضوح أن الانقلاب ليس من أحد المنجسات . نعم ، بناء على ما سلكناه لا بدّ من الحكم بنجاسة الماء المعصور حينئذ لملاقاته المتنجِّس قبل تحقق غسله ، لاعتبار العصر في تحقّقه كما مرّ فلاحظ .

   (3) بمعنى أن التغيّر بالاستعمال كالاضافة الحاصلة بسببه مانع عن حصول الطهارة بالغسل وكذا التغيّر بالعصر إذا غسل المتنجِّس بالماء القليل . وأما إذا غسل بالكثير فلا يضره تغيّر الماء بعصره ، وذلك لتمامية الغسل في الكثير بمجرد نفوذ الماء في أجزائه من دون حاجة إلى العصر ، هذا ما أراده الماتن (قدس سره) في المقام ولكنه من الندرة بمكان ، على أن المراد بالتغيّر هو التغيّر المستند إلى عين النجس ، وهي إذا كانت مقتضية لذلك لأوجبت التغيّر من حين ملاقاتهما ، لا أن الماء يتغيّر ـ  لأجلها  ـ لدى العصر ، بل لو تغيّر بسببه فهو تغيّر مستند إلى المتنجِّس ولا ينفعل الماء بذلك بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا فرق بين الماء الكثير والقليل في ذلك كما مرّ ، ومنه يظهر الحال في المعصور المضاف .

(2) مرّ حكم التغيّر آنفاً .

ــ[20]ــ

فلو تغيّر بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك (1) ولا يحسب غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدّد .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثم إنّ هذه المسألة أيضاً مبتنية على الكلام المتقدم في العصر وأنه معتبر في الغسل بالماء القليل دون الكثير ، وقد عرفت أن الصحيح عدم الفرق في اعتباره بينهما ، وعليه فلو حدث التغيّر بالعصر لم يحكم بطهارة المتنجِّس ولو في الماء الكثير لتغيّر الماء قبل تمامية غسله ، والماء المتغيّر مما يغسل منه وليس مما يغسل به ، هذا كله في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل . وأما غيرها فلا يضره تغيّر الماء بوجه لأن مقتضى إطلاق ما دلّ على لزوم الغسل عدم الفرق بين تغيّر الماء وعدمه ، حيث إنه غير مطهر للمحل حتى يقال : الماء المتغيّر لا يكفي في تطهير المحل ، فان الغسلة غير المطهّرة معدة لأن يكون المحل قابلاً للحكم بطهارته عند الغسلة المطهرة .

   (1) أي ما دام الماء يتغيّر بغسل المتنجِّس فيه مرّة أو مرّتين أو أكثر، فكل مرّة يتغيّر الماء بغسل المتنجِّس فيه لا تحسب من الغسلات ولا يمكن أن يحصل بها الطهر ، هذا .

   ثم إن في المقام مسألة اُخرى ربما يفسر قول الماتن : «ما دام كذلك» بتلك المسألة ، وهي أن الماء إذا تغيّر بغسل المتنجِّس فيه ثم زال عنه تغيّره بنفسه أو بالعلاج بحيث لم يكن متغيّراً بقاء وإن كان كذلك بحسب الحدوث فهل يكفي الغسل به في تطهير المتنجِّس ؟ قد يقال بكفايته تمسكاً باطلاق ما دلّ على مطهرية الغسل . ويندفع بأن ما  استدللنا به على عدم مطهرية الماء المتغيِّر بحسب الحدوث والبقاء يأتي بعينه في الماء المتغيّر بحسب الحدوث وإن لم يكن متغيِّراً بقاء . وحاصل ما ذكرناه في وجهه : أن قاعدة انفعال الماء القليل بملاقاة النجس وإن رفعنا عنها اليد في الغسلة المتعقبة بالطهارة ، حيث إن التحفظ بعمومها يقتضي سد باب التطهير بالماء القليل إلاّ أن رفع اليد عما دلّ على نجاسة الماء المتغيّر مما لا موجب له ، إذ لا إجماع ولا ضرورة تقتضيه بل مقتضى إطلاقه بقاء الماء على نجاسته ، لأنه كان متغيِّراً بالنجاسة ولم يطرأ عليه مطهر شرعي بعد ما زال عنه تغيّره ، ومن الظاهر أن مجرد زوال التغيّر لا يقتضي الحكم بطهارته ، هذا كله في أصل المسألة .

 
 

ــ[21]ــ

   [ 310 ] مسألة 3 : يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير على الأقوى وكذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها ((1)) (1)، وأمّا على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطاً فلا .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأمّا تفسير عبارة الماتن بذلك وحمل قوله : «ما دام كذلك» على معنى ما دام متغيّراً بحيث لو ذهب عنه التغيّر لكان موجباً للطهارة ، فقد عرفت أن زوال التغيّر لا يقتضي الحكم بذلك ما لم يطرأ عليه مطهّر شرعي . على أن الظاهر عدم إرادة الماتن ذلك وإنما مراده بقوله : «ما دام ...» هو ما دام الماء متغيّراً بغسل المتنجِّس فيه ، فكل مرّة يتغيّر الماء بذلك لا يكفي في الحكم بطهارة المغسول به ولا أنها تعدّ من الغسلات المعتبرة في التطهير ، ويشهد لذلك قوله : «ولا يحسب غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدّد» ومعه لا مسوغ لتفسيره بما عرفت .

   (1) لطهارتها مع الشروط المتقدِّمة في محلها وكذلك الحال في بقية الغسالات ـ  على القول بطهارتها  ـ كما هو الصحيح في الغسلة المتعقبة بالطهارة . والوجه في جواز استعمالها في إزالة الخبث ثانياً وثالثاً وهكذا إنما هو إطلاق الروايات الآمرة بالغسل كقوله (عليه السلام) «إغسل ثوبك من أبوال ما لايؤكل لحمه»(2) وقوله (عليه السلام) «صب عليه الماء مرّتين» (3) وقوله «إغسله في المِركَن مرّتين» (4) وغيرها فانّه لا فرق في صدق الغسل بالماء بين الغسل بالغسالة وغيرها . نعم ، في ارتفاع الحدث بالماء المستعمل في إزالة الخبث كلام قدّمنا تفصيله في محلِّه (5) وقلنا إن القول بعدم جواز استعماله في رفع الحدث هو الصحيح إن تمت الاجماعات المنقولة في المسألة ولم نناقش في رواية عبدالله بن سنان «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهو الصحيح في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل .

(2) كما في حسنة عبدالله بن سنان المروية في الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .

(3) كما في صحيحة البزنطي المروية في الوسائل 3 : 396 / أبواب النجاسات ب 1 ح 7 .

(4) كما في صحيحة محمد بن مسلم المروية في الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 2 ح 1 .

(5) في الماء المستعمل قبل المسألة [ 134 ] .

ــ[22]ــ

لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه» (1) بحسب السند والدلالة ، وإلاّ فهو مبني على الاحتياط .

   وأمّا إزالة الخبث به ثانياً وثالثاً وهكذا فقد عرفت أنها هو الصحيح للاطلاق المتقدِّم تقريبه . وقد يقال بعدم الكفاية لموثقة عمار الآمرة بصب الماء في الاناء وتحريكه ثم تفريغه من الماء ، ثم صب ماء آخر فيه مع التحريك والافراغ وهكذا إلى ثلاث مرّات (2) بتقريب أن الغسالة لو جاز أن يغسل بها المتنجِّس ثانياً وثالثاً لم يكن وجه للأمر بافراغ الاناء من الماء المصبوب فيه أولاً ثم صب ماء آخر فيه ، بل كان تحريك ذلك الماء فيه بعينه مرّة ثانية وثالثة كافياً في تطهير الاناء من دون حاجة إلى تفريغه منه أبداً ، فالأمر بتفريغه من الماء المصبوب فيه أوّلاً كاشف قطعي عن عدم كفاية الغسالة في إزالة الخبث بها ثانياً وثالثاً .

   هذا ما ربما يتوهم في المقام ولكنه من الفساد بمكان لا ينبغي التعرض له ، وذلك لأن الموثقة أجنبية عما نحن بصدده ، حيث إنها من أدلة نجاسة الغسالة وكلامنا إنما هو في الغسالة الطاهرة ، وقد بيّنا في مورده أن غير الغسالة المتعقبة بطهارة المحل محكوم بالنجاسة ، وعليه فالوجه في أمره (عليه السلام) بافراغ الاناء من الماء المصبوب فيه أوّلاً وثانياً إنما هو نجاسة الغسالة في المرّتين لعدم كونها فيهما متعقبة بالطهارة ، ومن الظاهر أن الماء المتنجِّس لا يكفي في تطهير مثله من الأشياء المتنجسة . وأما أمره (عليه السلام) بالافراغ في الغسلة الثالثة فهو أيضاً مستند إلى نجاسة الماء ، بناء على أنّ الغسالة مطلقاً نجسة ولو ما دامت في المحل ، وأمّا بناء على ما هو الصحيح من طهارة الغسالة حينئذ فالوجه في أمره (عليه السلام) أن الغسلة الثالثة لا يتحقق من غير إفراغ الاناء ، حيث إن مجرد صبّ الماء فيه لا يكفي في صدق الغسل عليه ما دام لم يفرغ من الماء . فليس الوجه في أمره (عليه السلام) بالصب في الغسلة الثالثة أن الغسالة الطاهرة لا تزال بها الخبث ثانياً وثالثاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 215 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13 .

(2) الوسائل 3 : 496 / أبواب النجاسات ب 53 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net