الوجه الثاني : في تصوير الجامع على الأعم أن يقال : إنّ الجامع عبارة عن معظم الأجزاء ، فلو فرض أنّ الأجزاء عشرة فستّة منها هي المعظم ـ مثلا ـ وتكون الصلاة موضوعة لها .
وأشكل على هذا صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(2) بأمرين :
الأول : هو أنّ الوضع لو كان لخصوص المعظم فلو استعمل اللفظ فيه وفي بقية الأجزاء ، كان مجازاً ، لعلاقة الجزء والكل .
الثاني : أنه يستلزم الترديد في المقوّم للصلاة عند اجتماع جميع الأجزاء والشرائط ، باعتبار أنّ مبدأ الستة هل الأول ، أو الوسط ، أو الأخير . والترديد فيما تتقوّم به الماهية غير معقول .
ــــــــــــــ (2) كفاية الاُصول : 26 .
ــ[117]ــ
والجواب عن الأول عُلم ممّا تقدّم ، حيث فرضنا أنّ الصلاة من الاُمور الاعتبارية ، وصحّحنا أن يكون الشارع قد اتّخذ وحدة من هذه الأجزاء المختلفة ماهية ووجوداً ، فاعتبر المعظم منها هو المسمّى باللفظ ، ولكن لا على سبيل التقييد بل لا بشرط ، بمعنى أنّ الزيادة لا تضرّ في صدق المسمّى ، فلا يكون معظمٌ وزيادة عند اجتماع الجميع . وعلى هذا فالاستعمال حقيقي لا مجازي .
والجواب عن الثاني يظهر ممّا ذكرناه ، إذ لم نعتبر المعظم ما كان محدّداً ومقيّداً بمقدار خاص ، بل اُخذ لا بشرط ، فكما يصدق في مورد الستّة يصدق في مورد الثمانية والعشرة .
وبعبارة اُخرى : اعتبر المعظم بنحو لا ينقص عن هذا المقدار ولا يقل عن العدد المذكور ، أمّا ما زاد عليه فهو في فرض وجوده جزء ، لا أنّه خارج عن الماهية . ومثله ما قالوا في الكلمة إنّها تتركّب من حرفين فصاعداً ، فإنّ هذا لا يستلزم أن يكون إطلاق الكلمة على كلمة سفرجل ـ مثلا ـ مجازاً لاشتمالها على حرفين وزيادة .
ولا موقع معه للبحث عن أنّ الحرفين اللذين يتقوّم بهما معنى الكلمة هل هما الحرفان الأوّلان من كلمة سفرجل ، أو الأخيران ، أو الأول والثالث ، أو الرابع والثاني ، أو غير ذلك . وهكذا سائر الكلمات التي تزيد على الحرفين .
والوجه فيه : ما عرفت من أنّ الملحوظ في نظر المولى أن لا يقل عن التحديد المذكور ، وأمّا ما زاد فلا مانع منه . وقد اُخذ الأقل لا بشرط بالإضافة إليه .
وهذا التقريب من الجامع لا بأس به إن لم يتمّ الأول ، ومهما كان فأحدهما كاف هنا .
ولعلّ من ذكر في تصوير الجامع أنّ الموضوع له ما يطلق عليه الصلاة عرفاً
ــ[118]ــ
يريد به هذا المعنى ، إذ الالتزام بظاهره غير معقول ، باعتبار تأخّر مرتبة الصدق العرفي عن مرتبة الموضوع له ، فلابدّ من تصوير جامع يوضع اللفظ له ثمّ يستعمل اللفظ فيه ثمّ يفهمه العرف . اللهمّ إلاّ أن يريد بذلك ما ذكرناه ، من أنّ الصلاة وضعت لمعظم الأجزاء ، بحيث لو استعملت فيه لصدق على ذلك عرفاً .
ومهما يكن ، قلنا بهذا الوجه أم لم نقل ، لابدّ من اشتراط التوالي في الصلاة لأنّ العرف بحسب المناسبات المرتكزة في أذهانهم يرى عدم صحّة إطلاق الصلاة على من كبّر أوّل الزوال ، ثمّ اشتغل بكتابة له ، وبعد الانتهاء قام فقرأ الحمد ثمّ عاد إلى حالته السابقة فأخذ في كتابة صحائف له ، وبعد ساعات طويلة عاد إلى الركوع ، وهكذا حتّى انتهى وقت الغروب . فالعرف لا يطلق على فعله هذا لفظ الصلاة أبداً .
الوضع للأعم :
وممّا ذكرنا من عدم معقولية الجامع بين الأفراد الصحيحة يتعيّن أن تكون الألفاظ موضوعة بازاء المعاني الأعم من الصحيحة والفاسدة ، من دون احتياج في ذلك إلى إقامة الدليل ، لأنّ الأمر كان يدور بين الوضع للجامع الصحيح بالخصوص وبين الوضع للأعم ، فبطلان الوضع لأحدهما ـ أي للصحيح ـ من جهة عدم المعقولية يوجب تعيين الوضع للأعمّ ، إذ لا ثالث لهما .
مضافاً إلى إمكان الاستدلال على الوضع للأعمّ بصحّة إطلاق ألفاظ العبادات على فاسدها في عرف المتشرّعة ، كما يصحّ إطلاقها على صحيحها ، حيث لا نرى احتياجاً إلى المؤونة عند إطلاق كلمة الصلاة على الفاسدة عندما نجد شخصين يصلّيان فنقول : كلاهما يصلّيان .
وهذا يكشف عن أنّ الصلاة وضعت للأعم لا للصحيح ، وقد عرفت أنّه لولا ذلك لكان إطلاقها وإرادة الأعم من الصحيح والفاسد محتاجاً إلى المؤونة الزائدة
ــ[119]ــ
ولكان من قبيل استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد ، أو في المسمّى بالصلاة ، وكلاهما خلاف الوجدان .
|