تفصيل صاحب المعالم 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4618


التثنية والجمع

ذهب صاحب المعالم (قدّس سرّه)(2) إلى إمكان إرادة الأكثر من معنى واحد في التثنية والجمع ، وأنّه على نحو الحقيقة ، استناداً إلى أنّ التثنية بمنزلة تكرار اللفظ الواحد . ويؤيّد ذلك ما جاء من التثنية في الأعلام الشخصية ، كزيدين ، فإنّ المراد منه فردان متغايران .

ومهما كان فلابدّ من البحث تفصيلا عن صحّة استعمال التثنية والجمع وإرادة الأكثر ، وهل هو معقول في نفسه ، ليبحث عن مخالفته للظهور كما ذكر في الكفاية(3).

والتحقيق في ذلك : أنّ للتثنية والجمع وضعين : أحدهما للمادّة ، والآخر للهيئة  .

أمّا الهيئة ـ وهي الألف والنون ـ فقد وضعت لتعدّد ما يراد من مدخولها

ـــــــــــ
 (2) معالم الدين : 39 ـ 40 .

(3) كفاية الاُصول : 37 .

ــ[146]ــ

وحينئذ نحن والمدخول ، ككلمة العين ـ مثلا ـ في قولنا : جئني بعينين .

فإن اُريد منه معنيان كالذهب والفضّة كانت الهيئة دالّة على إرادة التعدّد من ذلك ، ويكون المراد من العينين اثنين من الذهب واثنين من الفضّة ، فتدلّ التثنية على أربعة أفراد . وهذا أمر مبني على ما حرّرناه سابقاً من إمكان استعمال اللفظ في أكثر من معنى وعدمه .

ولكنّه خارج عن محل الكلام ، فإنّه من استعمال المفرد في المعنيين ، ولا ينبغي الشكّ في مجازية هذا الاستعمال ، وأمّا هيئة التثنية فقد استعملت في معناها الموضوع له . وهذه الصورة غير مرادة لصاحب المعالم ، وإلاّ فلا معنى لكون التثنية حقيقة .

وإن اُريد من المدخول ـ وهو العين مثلا ـ معنى واحد ، كالذهب مثلا أو الفضّة ـ والهيئة تدلّ على إرادة أكثر من طبيعة واحدة من المدخول ، فهذا غير معقول ، لما سبق من أنّ للتثنية وضعين : أحدهما للهيئة ، وهي تدلّ على إرادة التعدّد من المدخول . وثانيهما للمادّة ، وهي إن اُريد بها الذهب فقط فالهيئة تفيد تكرار هذا المعنى بإرادة فردين منه ، أو الفضّة فكذلك ، ومع هذا كيف تدلّ التثنية على تعدّد مدخولها من حيث الطبيعة بعد أن اُريد من المدخول طبيعة واحدة كما هو الفرض .

نعم لا مانع من إرادة فردين من المسمّى ، بأن يؤول العين بالمسمّى ، نظير التثنية في الأعلام الشخصية كزيدين ، حيث يراد منهما فردان من المسمّى بزيد . ولكنّه مجاز بلا كلام .

إذن فلا وجه للإصرار من صاحب المعالم (قدّس سرّه) على أنّه في التثنية حقيقة  .

تنبيه : ربما يستدلّ على جواز استعمال اللفظ المشترك في معناه بما ورد في

ــ[147]ــ

الأخبار الشريفة من أنّ للقرآن بطوناً سبعة أو سبعين(1)، فيستظهر وقوع ذلك في القرآن .

وقد أجاب عن ذلك صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(2) بأنّه لا دلالة لها على أنّ إرادتها من قبيل إرادة المعنى من اللفظ ، بل لعلّه كان بإرادتها في نفسها حين استعمال الألفاظ في معانيها .

وفيه ما لا يخفى ، إذ لو كان المراد بالبطن ما ذكره لما كان ذلك موجباً لعظمة الكتاب ، لإمكان هذا المعنى ـ وهو إرادة معان كثيرة في أنفسها حين الاستعمال ـ في سائر المحاورات أيضاً . مضافاً إلى أنّ إرادة المعاني بنفسها حين الاستعمال لا تسمّى بطناً ، لأنّها معان اُخر غير المعنى المستعمل فيه اللفظ ، وعليه كيف تكون هذه المعاني بطناً للقرآن الكريم .

فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ المراد بالبطن لوازم المعاني وملزوماتها من دون أن يستعمل اللفظ فيها ، وهو لا ينافي قصور أفهامنا عن إدراك هذه الاُمور  . وهذا هو الذي أفاده (قدّس سرّه) أخيراً .

والذي يدلّ عليه : ما ورد مستفيضاً من أنّ القرآن يجري مجرى الشمس والقمر ، وأنّه لا يختص بقوم دون قوم(3)، بل في بعضها ورد أنّ القرآن لو ورد في خصوص قوم لمات عند موتهم ، مع أنّه حي إلى يوم القيامة(4). وورد أنّ الكتاب في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 92 : 78 / ب8 أنّ للقرآن ظهراً وبطناً ... .

(2) كفاية الاُصول : 38 .

(3) مرآة الأنوار : 5 .

(4) مرآة الأنوار : 5 .

ــ[148]ــ

ظاهره قصّة وفي باطنه عظة(1)، بمعنى أنّه ليس بكتاب تاريخي ، بل يحدّث عن قضايا صدرت عن الاُمم السابقة ، كبني إسرائيل وغيرهم ، لتكون هذه دروساً يسير المتأخّرون على نهجها ، ولتدلّهم على أنّ الكفر بنعم الله يوجب السخط عليهم . أمّا بقية اللوازم والملزومات التي تضمّنها القرآن فلا يعرفها إلاّ من خوطب به ، ومن يقوم مقامه من الأئمّة (عليهم السلام) وقد وقفنا على بعضها بواسطة الأخبار الشريفة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم نعثر عليه في مظان وجوده .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net