اسم الزمان
وقد وقع الخلاف فيه باعتبار أنّ ملاك البحث هو تلبّس الذات بالمبدأ وانقضاؤه عنها مع بقاء نفس الذات ، وهذا غير حاصل في اسم الزمان ، لأنّ الذات فيه ـ وهي الزمان ـ من الاُمور المنصرمة ، فلا يعقل بقاؤها وانقضاء المبدأ عنها لتكون موضعاً للنزاع .
وما يشاهد من إطلاق بعض أسماء الأزمنة ، كاطلاق مقتل الحسين (عليه السلام)
ــ[156]ــ
على يوم العاشر من المحرّم في كل سنة ، فهو من باب التجوّز والمسامحة .
وقد اُجيب عن ذلك في الكفاية(1) بأنّ انحصار مفهوم عام في فردين : أحدهما ممكن الوقوع ، والآخر ممتنع ، لا يوجب وضع اللفظ بازاء الفرد الممكن ، بل يمكن ملاحظة الجامع ووضع اللفظ له . وما نحن فيه كذلك ، فإنّ الزمان المتلبّس بالضرب فعلا ممكن ، والزمان المنقضي عنه الضرب ممتنع ، لعدم بقاء الذات بعد الانقضاء ، ولا مانع من وضع اللفظ بازاء الجامع بينهما.
وقد استشهد على مدّعاه بأنّه لولا إمكان الوضع للكلّي مع امتناع بعض أفراده لما صحّ النزاع في لفظ الجلالة ـ الله ـ في أنّه موضوع للجامع ، أو علم لذاته المقدّسة . مع أنّه لو كان موضوعاً للمفهوم الكلّي لكان مثل ما نحن فيه ، إذ سائر أفراده ممتنعة.
ثمّ ترقّى (قدّس سرّه) وقال(2): بل إنّ ذلك واقع أيضاً ، كما في كلمة الواجب باعتبار أنّه اسم لمفهوم كلّي ، وليس علماً لذاته المقدّسة مع امتناع سائر أفراده .
وغير خفي أنّ وضع لفظ لمفهوم كلّي مع امتناع بعض أفراده ممكن ، بل وضع لفظ لخصوص الممتنع لا مانع منه ، كوضع لفظ بسيط لمفهوم اجتماع النقيضين ، فضلا عن الوضع لما هو الجامع للممتنع والممكن ، كما في لفظي الدور والتسلسل ، فإنّهما اسمان لما يدور ولما يتسلسل .
ونحن لو نظرنا إلى أفراد كل منهما نجد بعضها ممكناً ، كحركة الإنسان الخاصّة حول نفسه ، وبعضها ممتنعاً كتوقّف العلّة على المعلول وبالعكس ، وكذلك التسلسل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 40 .
(2) هذا حاصل كلامه ، ونصّه هو : مع أنّ الواجب موضوع للمفهوم العام مع انحصاره فيه تبارك وتعالى .
ــ[157]ــ
فإنّه ممكن فيما يتناهى ، ومستحيل فيما لا يتناهى ، مع وضعهما للجامع بين الأفراد الممكنة والممتنعة .
ونظير هذا لفظ الاجتماع ، فإنّه موضوع لجامع كلّي ، مع امتناع بعض أفراده كاجتماع النقيضين ، وذلك لأنّ الغرض من الوضع التفهيم ، والتفاهم في المعاني التي تتعلّق الحاجة بها ، ومن المعلوم أنّ الزمان المنقضي عنه التلبّس لا يقع متعلّقاً للحاجة والغرض ، فلا حاجة لوضع اللفظ له.
ومن هنا يظهر عدم ورود النقض على ذلك بوضع اسم الجلالة الذي وقع الخلاف فيه ، وذلك لتعلّق الحاجة والغرض ببيان المفهوم الكلّي ، وبيان أفراده الممتنعة ، ليحكم عليها بالامتناع ، بخلاف الزمان المنقضي عنه التلبّس ، فإنّ الحاجة لا تتعلّق به .
وأمّا نقضه بلفظ الواجب فهو عجيب ، لأنّ الوجوب بمعنى الثبوت ، وهو أعم من التكويني والتشريعي ، وبإضافة الوجود إلى الواجب بأن يقال : (واجب الوجود) يشمل الواجب لذاته وبغيره ، كالممكنات فإنّها واجبات بإرادة الله تعالى وبإضافة كلمة لذاته ، وإن كان يختص بالله تعالى ، إلاّ أنّه ليس من جهة وضع واحد بل من جهة أوضاع متعدّدة ، فيكون من باب تعدّد الدال والمدلول ، فهو خارج عن محل الكلام .
والذي يسهل الخطب أنّ هيئة اسم الزمان لم توضع لاسم الزمان فقط ، بل إنّ اسم الزمان والمكان موضوع بوضع واحد لما وقع فيه الفعل ، بمعنى ظرف الفعل الأعم من كونه زماناً أو مكاناً ، وهو معنى عام ، غاية الأمر في بعض الأفراد لا يمكن بقاء الذات وانقضاء التلبّس عنها ، كما في الزمان ، بخلاف الفرد الآخر ، كالمكان فإنّه يمكن فرض بقاء الذات فيه ـ وهو المكان ـ مع انقضاء التلبّس ، وقد عرفت أنّه لا يضرّ بوضع اللفظ للعموم .
ــ[158]ــ
والحاصل : أنّ هيئة (مفعل) موضوعة للدلالة على أنّ الذات ظرف الفعل وله فردان : أحدهما الزمان ، والآخر المكان ، ووضع اللفظ لمفهوم يمتنع بعض أفراده دون بعضها ممكن . وعليه فلا إشكال في اسم الزمان ، ودخوله في البحث .
|