ــ[163]ــ
والدليل عليه اُمور :
الأول : التبادر العرفي ، فإنّ أهل العرف لا يفهمون من كلمة قائم ، ولا يتبادر منها عندهم إلاّ اتّصاف الذات بالمبدأ ، ولابدّ من فعلية الاتّصاف في مرحلة الصدق . وصدقه وإن أمكن على من انقضى عنه المبدأ ، ولكنّه خلاف المتبادر .
وليس التبادر مختصّاً بالجمل التامّة الحملية ، ليتوهّم أنّ سببه ظهور الحمل في فعلية التلبّس ، بل سببه نفس ذلك اللفظ وإن كان في الجمل الناقصة ، مثل : عالم البلد ، وزوجة زيد . التي ظاهرها التلبّس الفعلي .
كما لا اختصاص لهذا التبادر في الهيئات بلغة دون لغة ، فكما يتبادر من كلمة ضارب المتلبّس الفعلي ، كذلك يتبادر من كلمة (زننده) نفس المعنى المذكور .
نعم التبادر في المواد يختلف باختلاف اللغة ، فالعربي لا يتبادر له من لفظ العجمي شيئاً وبالعكس ، نظراً إلى اختصاص الوضع بأهله ، بخلاف الهيئات ، فإنّها على اختلاف اللغات موضوعة لمعنى واحد ، المتلبّس أو الأعم . فمن تبادر عنده من كلمة (زننده) في لغة الفرس خصوص المتلبّس يعلم أنّ كلمة (ضارب) أيضاً كذلك .
وكيف كان ، فالعرف بحسب ارتكازه يستفيد من هيئة المشتق التلبّس الفعلي فلا يصدق في مورد الانقضاء أنّه ضارب ، نعم يصدق أنّه كان في الزمن الماضي ضارباً .
الثاني : صحّة السلب عمّا انقضى عنه المبدأ ، فيقال : زيد ليس بقائم ، بل هو جالس . وإن كان باعتباره في الزمن الماضي قائماً ، وصحّة السلب آية أنّ المسلوب عنه ليس من أفراد المسلوب .
وربما يقال بأنّ المراد من صحّة السلب إن كان صحّة السلب مطلقاً فغير سديد ، وإن كان مقيّداً بخصوص حال الانقضاء فغير مفيد ، فإنّ صحّة سلب المقيّد لا يقتضي صحّة سلب المطلق .
ــ[164]ــ
والجواب عنه : أنّ الترديد المذكور إنّما يصحّ فيما إذا لم يتبادر المعنى الخاص من حاق اللفظ ، ودار مفهومه بين أمرين : السعة والضيق ، كالعمى المتردّد معناه بين مطلق عدم الإبصار ولو من جهة أنّه لا عين له كالممسوح ، وبين خصوص عدم الإبصار مع وجود العين . فإنّه إن اُريد إثبات اختصاصه بالثاني بدعوى صحّة سلب العمى عمّن لا عين له فيقال حينئذ : إن اُريد بصحّة السلب صحّة سلب العمى بالمعنى المطلق فهو ممنوع ، ضرورة صحّة حمله بهذا المعنى ، وإن اُريد بها صحّة سلبه بالمعنى الثاني ـ وهو عدم البصر مع فرض وجود عين له ـ فهو وإن كان صحيحاً ، لكنّه غير مفيد ، لأنّ صحّة سلب المقيّد لا يدلّ على أنّ اللفظ لم يوضع للأعم ، لأنّ سلب الأخص لا يلازم سلب الأعم.
وأمّا في المقام فلا يتم ذلك ، لأنّ المتبادر العرفي من المشتق خصوص المتلبّس ، وإذا صحّ سلبه بما له من المعنى عمّن انقضى عنه المبدأ ـ كما ندّعيه ـ فهو من باب السلب المطلق ، وهو آية كونه مجازاً فيه ، وحقيقة في غيره .
الثالث : لو قلنا بوضع الهيئة للأعم لزم اجتماع الضدّين حين صدق كلا الوصفين على الذات ، فإنّ المشتقّات كالمبادئ ، فكما لا يصدق السواد والبياض على شيء واحد في آن واحد ، للتضادّ بينهما ، كذلك المشتقّات يحصل التضادّ بينهما فلا يقال : هذا قائم وجالس ، ففرض الوضع للأعم وصيرورة الإطلاق حقيقياً في كل منهما ، يستلزم اجتماع الضدّين ، وهو محال . فيختص الوضع بخصوص المتلبّس لا محالة .
ولا يخفى أنّ المعتبر في تحقّق التضادّ ـ أيّ مورد كان ـ وحدة الزمان كما عرفت من اعتبار الوحدات الثمان أو التسع ، ومع الاختلاف فيه ينتفي التضادّ بالمرّة فيقال : كان زيد قائماً في الأمس ، أمّا الآن فهو جالس . كما أنّه يعتبر فيه أن يكون الإطلاق في كلا الحملين حقيقياً ، فإذا كان في أحدهما بالعناية ، وفي الآخر حقيقة
ــ[165]ــ
كما في مثل : زيد أسد ، وزيد إنسان . فلا يتمّ التضادّ بينهما .
والذي يؤيّد ما ذكرناه من اختصاصه بخصوص المتلبّس : أنّ الفقهاء لا يلتزمون ببقاء الحكم المعلّق على العنوان الاشتقاقي بعد الانقضاء . مثلا لا يرون جواز النظر إلى الزوجة بعد طلاقها ، ولا يفتون بوجوب النفقة عليها بعد الطلاق مع أنّ المشتق لو كان في الأعم حقيقة لزمهم القول بثبوت هذه الأحكام ، لصدق الزوجة بعد الطلاق .
|