الصفات الجارية عليه تعالى - المتنازع فيه في المشتق 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5136


الصفات الجارية عليه تعالى

وقبل التحقيق في ذلك نقول : إنّ بعض الصفات التي تصدق عليه تعالى قد تكون عين الذات ، وأنّها من الأوصاف الذاتية له ، كالقدرة والعلم وما عاد إلى ذلك  . وبعضها الاُخر تنتزع من أفعاله ، وهي مغايرة للذات كالخالق والرحيم والكريم ، فإنّ ذاته مغايرة لأفعاله ، إذ الخلق غير الله ، وكذا الرحمة والكرم . فحال هذا البعض كسائر المشتقّات الجارية على الذات .

وصاحب الفصول (قدّس سرّه)(1) التزم بالتجوّز والنقل في الصفات الذاتية فراراً من المحذورين المتقدّمين .

أمّا صاحب الكفاية(2) فقد أجاب عن المحذورين السابقين :

أمّا عن الأول : فبكفاية المغايرة المفهومية بين المبدأ والذات ، وهي التي تصحّح الحمل في سائر صفاته . أمّا الخارج فلا اعتبار له وإن اتّحدا .

وأمّا عن الثاني : فبأنّ كيفية التلبّس والقيام بالمبدأ تختلف باختلاف الصفات فقد يكون بنحو الحلول والصدور ، أو القيام ، والانتزاع ، فإنّ من جملتها الانتزاع عنه مفهوماً والاتّحاد معه خارجاً ، فإنّ ذاته تعالى متلبّسة بالعلم تلبّساً اتّحادياً ، ولكن ينتزع من ذلك العالمية . وهذا النحو من التلبّس وإن بعد عن أذهان العرف إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفصول الغروية : 62 .

(2) كفاية الاُصول : 56 ـ 57 .

ــ[186]ــ

أنّ مسؤولية العرف إنّما هي في معرفة المفاهيم ، دون التطبيق على المصاديق ، وهو يرجع إلى العقل ، والعقل لا يفرق في تطبيقه على زيد أو عليه تعالى  ، وإن اختلفت جهة التلبّس بينهما .

ثمّ ذكر (قدّس سرّه) أنّه لو لم يكن المراد منها معانيها المتعارفة لزم تعطيل العقول عن فهم الأوراد والأذكار ، لأنّ المراد بقولنا : ياعالم ، أن يكون من ثبت له العلم ، وهو المطلوب . أو من ثبت له ضدّ العلم وهو الجهل ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . أو معنى ثالث لا نفهمه ، ويكون حينئذ من لقلقة اللسان . وعليه فالصفات الجارية عليه تعالى غير منقولة عن معانيها اللغوية التي تفهمها العامّة إلى معنى اصطلاحي كما ادّعاه صاحب الفصول .

ولتحقيق هذه المسألة لابدّ لنا من البحث في مقامات ثلاثة :

الأول : في لزوم التغاير بين المبدأ والذات في المشتقات مفهوماً ، أو مصداقاً .

الثاني : في صحّة تلبّس الذات بالمبدأ مع اتّحادهما خارجاً .

الثالث : إذا تمّ النقل ـ كما يدّعي صاحب الفصول ـ فهل العقول لا تفهم معنى الأذكار والأوراد ؟

أمّا البحث عن الأول فنقول : إنّ التغاير معتبر بين الموضوع والمحمول ، لما عرفت سابقاً(1) من أنّ كل قضية حملية لابدّ فيها من جهة اتّحاد وتغاير .

أمّا اعتبار التغاير المفهومي ـ فضلا عن التغاير الخارجي ـ بين المبدأ والذات فلا دليل على اعتباره ، لعدم قيام أي برهان عليه ، بل قد يتّحد المبدأ مع العرض في بعض الموارد مفهوماً ومصداقاً ، مثل الضوء مضيء ، والنور منير ، والوجود موجود  . فإنّ الوجود من جهة كونه موجوداً بنفسه ، ومن جهة أنّ الماهية توجد به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص87 .

ــ[187]ــ

فهو أولى بأن يكون موجوداً . وهكذا النور ، فإنّه ظاهر بنفسه ومظهر لغيره فاطلاق المشتق عليه بلا عناية . فالمبادئ في هذه الأمثلة عين موضوعاتها ، ولا تغاير بينهما مفهوماً ، فضلا عن التغاير خارجاً .

وعليه فلا مانع من صحّة إطلاق صفاته عليه تعالى حقيقة ، وإن لم تكن مغايرة في الخارج بين ذلك .

وأمّا البحث عن الثاني : فالمراد بالتلبّس والقيام في قولنا : الذات متلبّسة ليس إلاّ واجدية الذات لذلك المبدأ ، في مقابل فقدان الذات للمبدأ ، ومن المعلوم أنّ واجدية كل شيء لذاته ضرورية ، فيكون النور واجداً لنفسه الذي هو ذاته وكذلك الوجود والضوء . فالله تعالى واجد للعلم الذي هو ذاته ، وكذا واجد للقدرة ومتلبّس بها . وعلى هذا لا يرد ما اُشكل سابقاً(1) من استحالة تلبّس الشيء بنفسه .

وأمّا البحث عن الثالث ـ وهو ما ذكر من لزوم تعطيل العقول عن فهم الأذكار والأوراد بناءً على النقل ـ ففيه : أنّ هذا الحديث وإن تم في إثبات أنّ مفهوم الوجود مشترك فيه بين الواجب والممكن ـ على ما ذكره الحكيم السبزواري(2)وغيره ـ فإنّ إطلاق الموجود عليه في قولنا : ياموجود . إمّا أن يراد منه شيء له الوجود كما في إطلاقه على غيره ، فهو المطلوب . أو يراد به مقابله وهو يامعدوم فيلزم منه تعطيل العالم عن الصانع ، أو يراد منه معنى لا نفهمه ، فيكون مجرّد لقلقة لسان ، ويلزم تعطيل العقول حينئذ عن فهم الأوراد والأذكار .

إلاّ أنّه لا يتمّ في المقام ، لأنّ المبدأ لمّا كان متّحداً مع الذات في صفاته تعالى لم يكن استعمال المشتق فيه حقيقة ، لفرض اشتراط المغايرة في المعنى الموضوع له

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص185 .

(2) شرح المنظومة (الحكمة) : 17 (غرر في اشتراك الوجود) .

ــ[188]ــ

فلابدّ من إرادة معنى آخر منه مجازاً في قولنا : ياعالم ـ مثلا ـ وهو : يامن علمه عين ذاته . وكذا يراد من (ياقادر) يامن قدرته عين ذاته .

وكيف كان ، فلا يلزم من عدم إرادة المعنى المتعارف لقلقة اللسان ، فلا يلزم التعطيل .

التنبيه الرابع : أنّ الغرض من بحث المشتق معرفة ما هو الموضوع له ، وهل هو مفهوم منطبق على خصوص المتلبّس الفعلي ، أو عام ينطبق على ذلك وعلى من انقضى عنه المبدأ .

أمّا تطبيق ذلك المفهوم على موارده بنحو الحقيقة أو الادّعاء فهو خارج عن البحث ، إذ لا يلزم المجاز في موارد الادّعاء ، فإنّ الادّعاء ـ كما هو مذهب السكاكي(1)ـ تصرّف في التطبيق ، وأمّا اللفظ فقد استعمل في معناه الموضوع له . فلو قال : زيد أسد ، فكلمة أسد استعملت في الحيوان المفترس ، غايته قد طبّق الحيوان المفترس على زيد بنحو من التوسعة ، لا على سبيل الحقيقة ، بل على نحو الادّعاء .

ويتّضح الحال في موارد الخطأ ، كما لو ظهر شبح من بعيد ، وتُخيّل أسداً فقيل : هذا أسد . فالاستعمال هنا ليس بمجاز ، لأنّه استعمال فيما وضع له ، لا في غير ما وضع له مع القرينة ، وقد توسّع في مرحلة التطبيق جهلا .

وهكذا المشتقّات ، كما لو قيل : النهر جار ، فإنّ الجاري قد استعمل بمعنى المتلبّس بالجريان ، وهو حقيقة فيه . أمّا تطبيقه على النهر بتخيّل أنّه هو الجاري ادّعاءً فليس باستعمال مجازي ، بلا فرق بين القول ببساطة المشتق وتركّبه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مفتاح العلوم : 156 .

ــ[189]ــ

فما عن الفصول(1) من اعتبار التلبّس الحقيقي في استعمال المشتق حقيقة فهو من باب الخلط بين الإسناد المجازي والحقيقي ، فإنّ قولنا : النهر جار ، والميزاب سائل ، كل منهما لم يستعمل إلاّ في معناه الحقيقي ، ولكن المجاز في إسناد الجريان إلى النهر ، أمّا كلمة المشتق فهي مستعملة في معناها حقيقة .

وبعبارة اُخرى : أنّ في كلامه خلطاً بين المجاز في الكلمة ، والمجاز في الإسناد والمقام من قبيل الثاني دون الأول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفصول الغروية : 62 سطر 18 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net