أمّا في الاُولى : فلأنّ القائل بالمرّة أو التكرار إنّما يتردّد في المأمور به سعة وضيقاً ، بحيث لا يعلم أنّه واحد أو متعدّد . بخلاف ما نحن فيه ، فإنّه بعد معرفته يقع البحث في إجزائه وعدم إجزائه .
وبعبارة اُخرى : القائل بالمرّة أو التكرار يبحث عن تعيين المأمور به شرعاً من حيث السعة والضيق ، وأنّه الطبيعة المقيّدة بالمرّة أو التكرار . بخلاف المقام ، فإنّ المأمور به معلوم ، وإنّما النزاع في إجزائه عقلا عن الواقع لو أتى به المكلّف خارجاً . فهما مسألتان مختلفتان .
وأمّا في الثانية : فلأنّ موضوع البحث هنا هو إتيان المأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري ، والشكّ في إجزائه وعدمه عن الواقع . بخلاف مسألة تبعية القضاء للأداء ، فإنّ الموضوع فيها هو عدم الإتيان بالمأمور به ، ومن الضروري أنّه لا جامع بين الوجود والعدم ، ولا ربط بين المسألتين أصلا . إذن فما توهّم في غير محلّه .
ــ[275]ــ
ثمّ إنّ صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) ذكر أنّ إتيان المأمور به بكل أمر يقتضي إجزائه عن أمره ، سواء كان واقعياً أم اضطرارياً أم ظاهرياً . وعلّل ذلك باستقلال العقل بعدم بقاء مجال للتعبّد به ثانياً ، مع موافقته الأمر باتيان المأمور به على وجهه.
وهذا الكلام متين جدّاً ، ولا نزاع فيه بين الأعلام ، لأنّ فرض التعبّد به ثانياً إنّما يمكن أن يصحّ إذا أمكن فرض بقاء الأمر بعد الإتيان بالمأمور به ، وهو غير ممكن هنا ، لأنّ بقاء الأمر إمّا أن يستند لعدم تحقّق ملاكه أو لا .
وكلاهما غير ممكنين ، أمّا الأول : فلما عرفت من أنّ الملاك معلول بوجوده الخارجي للمأمور به ، ومع وجود علّته فقد وجد الملاك ، فلا معنى لبقاء الأمر .
وأمّا الثاني ـ أعني بقاءه مع عدم وجود ملاك يدعو إلى تحقّقه ـ : فمستحيل لأنّ الأمر وليد ملاكه ، ولا يمكن أن يبقى بدونه . نعم يمكن أن يفرض وجود أمر لملاك آخر ، وهذا أجنبي عن مسألتنا ، لأنّ مسألتنا تتعلّق باجزاء المأتي به عن أمره ، لا عن الأمر الآخر .
|