ثمّ إنّ الاضطرار قد يكون اختيارياً ، وقد يكون غير اختياري ، أمّا غير الاختياري فقد سبق الحديث فيه مفصّلا ، وأمّا الاختياري فالظاهر من إطلاقات أدلّة التقيّة هو جوازه ، وإجزاء العمل المأتي به حالها ، لثبوت الحكم فيها بنحو الأعم لصورتي الاختيار وغير الاختيار ، ولذا أفتى المشهور بأنّه إذا تمكّن الشخص من إتيان الصلاة في موضع خال عن التقيّة لا يجب عليه ذلك ، بل تجوز الصلاة مع العامّة تقيّة .
وأمّا غير موارد التقيّة ـ مثل من كان متمكّناً من الصلاة عن قيام فعجّز نفسه واضطرّ إلى الجلوس ، أو كان عنده ماء فأراقه واضطرّ إلى استعمال التراب ، وغير ذلك ـ فالمنصرف من إطلاقات أدلّتها مثل قوله (عليه السلام) : « إذا قوي فليقم »(1)وكقوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(2) خصوص صورة الاضطرار غير الاختياري ، دون الاختياري . وعليه فلا يحكم بثبوت الأمر الاضطراري في مورده أصلا ، نعم في خصوص الصلاة قد علمنا من الخارج عدم سقوطها من المكلّف على كل حال . فلو عجّز نفسه عن الصلاة قائماً ، أو مع الطهارة المائية في مجموع الوقت ، وجب عليه الصلاة قاعداً ، أو مع الطهارة الترابية .
ثمّ إنّه لا إشكال في جواز البدار في موارد التقية التي استفدنا من إطلاقات أدلّتها ثبوت الحكم لكلتا صورتي الاضطرار الاختياري وغير الاختياري ، وأمّا في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 495 / أبواب القيام ب6 ح3 .
(2) النساء 4 : 43 .
ــ[282]ــ
غير موارد التقية فحيث كانت الإطلاقات منصرفة عن مورد الاضطرار الاختياري ، كان القول بجواز البدار من دون دليل خاص غير ممكن ، ولازم ذلك وجوب التأخير ، وعليه فلا يبقى للبحث عن الإجزاء فيما إذا ارتفع العذر أثناء الوقت في هذه الموارد موضوع أصلا .
نعم لو دام العذر مع المكلّف إلى آخر الوقت نقول بوجوب الفعل الاضطراري عليه ، فيقع الكلام في إجزائه عن القضاء وعدمه . والصحيح فيه القول بالإجزاء ، فإنّ وجوب القضاء حسب دليله يختص بما إذا فاتت الفريضة في الوقت فإذا فرض أنّ المكلّف قد أتى بالوظيفة في الوقت كيف يمكن الحكم بوجوب القضاء عليه .
هذا كلّه في مقام الثبوت ، ومعه لا تصل النوبة إلى مقام الإثبات . ومع غضّ النظر والقول بمقالة الكفاية لابدّ من البحث عمّا تقتضيه الأدلّة .
مقتضى الأصل عند الشكّ
اعلم أنّه مع الالتزام بوجود ملازمة بين الأمر الواقعي المتعلّق بالفعل الاضطراري والقول بالإجزاء ـ كما هو المختار ، خلافاً لصاحب الكفاية (قدّس سرّه) ـ لا حاجة في الرجوع إلى أدلّة اُخرى لإثبات ذلك ، أمّا مع عدم الالتزام بذلك فلابدّ من التماس دليل لفظي ، أو أصل عملي .
أمّا الدليل اللفظي فصوره أربع .
|