ثمّ إنّه لو شككنا في أنّ اعتبار الأمارة القائمة على شيء على نحو يفيد الإجزاء عن الواقع ، أو أنّه على نحو آخر لا يفيد الإجزاء ، فهل الأصل العملي يقتضي الإجزاء ؟
فصّل صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(2) بين الإعادة والقضاء ، فأوجب الأول
ـــــــــــــ (2) كفاية الاُصول : 87 .
ــ[297]ــ
دون الثاني .
أمّا لزوم الإعادة لو انكشف الخلاف أثناء الوقت فلأجل أنّ الواقع المأمور به لو كان ـ مثلا ـ الصلاة مع طهارة مائية ، فالمكلّف الذي جاء بصلاة مع طهارة ترابية لأمر ظاهري لم يدرك الواقع قطعاً . كما أنّ إدراكه لمصلحة الواقع غير معلوم لاحتمال أن لا يكون اعتبار الأمارة على نحو السببية بالمعنيين الأوّلين ، وحيث انشغلت الذمّة بتكليف إلزامي فأصالة الاشتغال تقتضي الخروج عن العهدة ، ولا يحصل ذلك إلاّ بالإعادة .
ثمّ أشكل على نفسه (قدّس سرّه) بجريان استصحاب عدم فعلية التكليف في حقّ المكلّف بعد انكشاف الخلاف ، وأجاب عنه بأنّ ذلك لا يثبت تدارك مصلحة الواقع بما أتى به في الخارج ، فلا يترتّب عليه الحكم بعدم الإعادة .
وأمّا عدم لزوم القضاء لو انكشف الخلاف خارج الوقت ، فهو أنّ وجوب القضاء إنّما هو بأمر جديد ، وقوامه فوت الواقع ، فمتى ما تحقّق الموضوع ـ وهو فوت الواقع ـ وجب القضاء لا محالة . وفيما نحن فيه ليس الموضوع محرزاً لنا ، إذ من المحتمل أن يكون اعتبار الأمارة على نحو السببية ، ومعها لا فوت ليجب القضاء .
وغير خفي أنّ ما جاء به (قدّس سرّه) في وجه عدم القضاء متين جدّاً ، وأمّا من حيث الإعادة فالأمر مشكل ، بل الأصل هو البراءة دون الاشتغال ، وذلك لأنّ جريان أصالة الاشتغال يتوقّف على اليقين بثبوت حكم واقعي في الذمّة ، وما نحن فيه ليس كذلك ، فإنّه على تقدير أن يكون اعتبار الأمارة على نحو الطريقية أو السببية السلوكية فالحكم الواقعي ثابت في الذمّة .
أمّا على تقدير السببية بالمعنيين الأوّلين فالحكم الواقعي غير متيقّن الثبوت أصلا ، بل الواقع ما أدّى إليه نظر المجتهد ، ومعه لا يكون المكلّف قد أحرز انشغال
ــ[298]ــ
ذمّته على كل تقدير ، بل يتردّد في انشغالها على بعض التقادير ، وهو مورد للبراءة .
نعم يمكن تصوير العلم الإجمالي هنا بأن يقال : الواجب الواقعي هو الفعل الذي جيء به على طبق الأمارة السابقة ، أو الفعل الذي لم يؤت به على طبق الأمارة الثانية ، ومعه لابدّ من الاحتياط والإتيان بالفعل على طبق الأمارة الثانية .
ولكنّه مدفوع بأنّ هذا العلم الإجمالي حيث قد حدث بعد الإتيان بالعمل على طبق الأمارة الاُولى لا يكون منجّزاً ، لعدم معارضة الاُصول في أطرافه .
|