وقد ذهب شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) إلى عدم جريان الإشكال بالنسبة إلى شرائط المأمور به ، بدعوى أنّ شرائط المأمور به بمنزلة الأجزاء ، من حيث انبساط الأمر النفسي عليها المتعلّق بالمجموع . فكما أنّ تأخّر الأجزاء بعضها عن بعض لا محذور فيه ، وأنّ الامتثال يتوقّف على تماميتها كالتسليم بالنسبة إلى الصلاة كذلك لا محذور في تأخّر الشرط عن المشروط ، وحكم الشرط المتأخّر حكم الجزء الأخير في عدم تحقّق الواجب بتمامه ما لم يتحقّق .
والمثال الواضح لذلك هو الغسل ليلا للمستحاضة الكثيرة لصحّة صوم يومها السابق ـ على القول به ـ فحال الغسل بالنسبة إلى الصوم على هذا القول حال التسليم بالإضافة إلى الصلاة ، فإنّهما متّحدان من جهة توقّف الامتثال عليهما .
والجواب عن ذلك : أنّ الفارق بين الجزء والشرط واضح كما اعترف به
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 322 .
ــ[318]ــ
(قدّس سرّه)(1) وهو أنّ القيد في الثاني غير داخل في المأمور به ، وإنّما التقيّد به دخيل في المأمور به ، بخلاف الأول ، فإنّه داخل قيداً وتقيّداً ، فلا يمكن الالتزام بتعلّق الأمر بنفس القيد في الشرائط .
ومن هنا ذهب (قدّس سرّه) إلى إمكان اتّصاف الشرائط بالوجوب الغيري دون الأجزاء . فلو فرضنا أنّ الشرائط كالأجزاء في انبساط الأمر النفسي عليها ، فما هو الفارق بينهما ، وكيف يمكن القول باتّصاف الشرائط بالوجوب الغيري دون الأجزاء .
فالصحيح : أنّ إشكال تأخّر الشرط في شرائط الحكم وشرائط المأمور به على حدّ سواء ، ولابدّ لنا من التكلّم في كل منهما .
شرائط المأمور به
قد عرفت أنّ شرط المأمور به ما يكون التقيّد به دخيلا في المأمور به دون نفس القيد ، بخلاف الجزء . فالمأمور به يكون حصّة خاصّة من الكلّي متحصّصة بأمر مقارن ، أو سابق ، أو لاحق ، من دون أن يكون لذلك القيد أثر في الملاك الذي دعا المولى إلى طلب تلك الحصّة ، فنفس تلك الحصّة الخاصّة المقيّدة هي التي يقوم بها الملاك ، أمّا القيد فهو أمر خارجي لا تأثير له ، وإنّما يكشف عن كون الطبيعي الموجود هو الحصّة الخاصّة ، وإذا كان القيد أمراً متأخّراً ـ كالغسل في الليل للمستحاضة ـ فلو صامت في النهار وجاءت بالغسل ليلا ، كشف ذلك عن أنّ المأتي به كان تلك الحصّة الخاصّة من الكلّي ، فانطبق عليه المأمور به .
وعليه فالشرط الذي نقصده هنا هو ما يكون تقيّده دخيلا في الواجب ، دون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 313 وما بعدها .
ــ[319]ــ
نفس القيد ، فلا يضرّ تقدّمه وتأخّره خارجاً .
نعم إنّ للشرط معنى آخر لا يمكن أن يكون متأخّراً ، وهو ما كان له دخل في تأثير المقتضي ، فيكون من أجزاء العلّة ، ومن البديهي عدم إمكان تأخّره عن وجود المعلول . فمن منع من تأخّر الشرط اشتبه عليه ما هو المراد منه ، فتوهّم إرادة الشرط بالمعنى الآخر . فالمغالطة مغالطة لفظية ناشئة من الاشتراك اللفظي ، فقد اُخذ الشرط بمعنى في الصغرى ، وبآخر في الكبرى ، فلم يتكرّر الحدّ الوسط .
|