شرائط الحكم
والمقصود من الحكمِ الأعمُ من التكليفي والوضعي .
وقد ادّعى صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) أنّ شرائط الحكم هي كل ما كان له الدخل في عالم اللحاظ ، فإنّ كل حكم تكليفي أو وضعي إنّما هو من الاُمور الاختيارية ، ولابدّ من صدوره عن إرادة واختيار ، ومن المبادئ تصوّر الفعل بجميع نواحيه المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة ، والتصديق بفائدته بعد الاشتياق إليه .
فشرائط الفعل الاختياري في الحقيقة إنّما هي اُمور نفسانية ، ولكنّه قد يتسامح فيسمّى كل واحد من هذه الأطراف ـ التي لتصوّرها دخل في حصول الرغبة وإرادة الفاعل ـ شرطاً ، لأجل دخل لحاظه في حصول رغبة الفاعل وإرادته ، كان مقارناً له أو لم يكن .
وبعبارة اُخرى : الشرط للحكم ولغيره من الأفعال الاختيارية عبارة عن وجود الأطراف في عالم اللحاظ ، المعبّر عنه بالوجود العلمي . وأمّا الوجود الخارجي فهو لا يكون شرطاً للفعل الاختياري أبداً ، وإنّما يطلق عليه الشرط ، لأنّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 93 .
ــ[320]ــ
طرف للحاظ ، وإطلاقه عليه مسامحة .
وبذلك دفع الإشكال المتوهّم في المقام ، فإنّه على ما ذكره لا يكون الشرط متقدّماً أو متأخّراً ، بل مقارناً دائماً ، وإنّما التقدّم والتأخّر في متعلّق اللحاظ ، ولا ضير فيه ، فإنّه لا يكون بشرط أبداً ، وإنّما يطلق عليه الشرط مسامحة .
وغير خفي أنّ حديثه (قدّس سرّه) يتمّ في الأحكام الشخصية ـ كالقضايا الخارجية ـ التي يكون إنشاء الحكم وفعليته في آن واحد ، فيمتنع التفكيك بينهما . وأمّا الأحكام الكلّية ـ كالقضايا الحقيقية ـ فالحديث على إطلاقه غير تامّ فيها وذلك لتغاير مرتبة الجعل والمجعول فيها .
فالمولى إذا أنشأ الحكم فالحكم الإنشائي وإن وجد في مرحلة الجعل ، وله بقاء واستمرار ما لم ينسخ ، إلاّ أنّ فعلية الحكم تدور مدار حصول موضوعه في الخارج بتمام قيوده ، ونتيجة ذلك أنّ إنشاء الحكم ـ المعبّر عنه بالجعل ـ بما أنّه فعل اختياري فشرائطه لابدّ وأن توجد في وعاء النفس ، ولا دخل للوجود الخارجي فيه أصلا .
وأمّا المجعول ـ الذي هو عبارة عن فعلية الحكم ـ فيتوقّف وجوده على وجود موضوعه بتمام قيوده خارجاً ، فالاستطاعة ما لم تتحقّق في الخارج لا يكون وجوب الحجّ فعلياً ، والشروط التي وقعت محلا للإشكال من جهة تأخّرها عن الحكم زماناً إنّما هي عائدة إلى الحكم الفعلي ، ففي كلامه (قدّس سرّه) خلط بين شرائط الجعل وشرائط المجعول .
|