ومن هنا ذهب شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) إلى استحالة الشرط المتأخّر بالإضافة إلى الحكم ، نظراً إلى أنّ نسبة الموضوع إلى الحكم كنسبة العلّة إلى معلولها . فالموضوع مع قيوده قد اُخذ في مرحلة الجعل مفروض الوجود ، ففرض فعلية الحكم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 328 .
ــ[321]ــ
قبل وجود موضوعه ، أو قبل وجود قيد من قيوده ، كفرض وجود المعلول قبل وجود علّته .
والصحيح هو جواز الشرط المتأخّر للحكم ، بيان ذلك : أنّ موضوعات الأحكام ليس لها تأثير بالإضافة إلى نفس الحكم ، ولكن الفقهاء اصطلحوا على تسميتها في الأحكام التكليفية بالشروط ، وفي الأحكام الوضعية بالأسباب . فيقولون : إنّ الاستطاعة شرط لوجوب الحجّ ، ودخول الوقت شرط لوجوب الصلاة ، وبلوغ النصاب شرط لوجوب الزكاة ، والبيع سبب للملكية ، والموت سبب لانتقال المال إلى الوارث ، وملاقاة النجس مع الرطوبة سبب لنجاسة الملاقي وهكذا .
ولم يظهر لنا وجه لهذه التسمية والتفرقة ، فإنّ الحكم مطلقاً أمر مجعول للشارع ، والموجود في البين تعليق الأحكام في مرحلة الإنشاء باُمور مفروضة الوجود تسمّى بالموضوعات وقيودها ، وترتبط فعلية الحكم بفعلية ما فرض وجوده ، ولا فرق في ذلك بين الحكم التكليفي والوضعي .
ثمّ إنّه لا يلزم أن يكون ما فرض وجوده مقارناً لفعلية الحكم دائماً ، فقد يفرض وجود شيء خارجاً وتتأخّر فعلية الحكم عن ذلك ، أو يعكس الأمر فيصير الحكم فعلياً وهو مشروط بفرض وجود شيء متأخّر مثلا .
وبعبارة اُخرى : المجعول في القضايا الحقيقية حصّة خاصّة من الحكم ، مقيّدة بأمر مفروض الوجود ، وهذا القيد تارةً يكون كذلك بوجوده متأخّراً ، مثل : يجب إكرام زيد فعلا بشرط مجيء عمرو غداً . واُخرى متقدّماً ، كما لو قيل : يجب إكرام زيد غداً بشرط مجيء عمرو هذا اليوم . وثالثة مقارناً ، كقوله تعالى : (وَللهِِ عَلَى
ــ[322]ــ
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)(1).
وكما يمكن تعليق الحكم بأمر مقارن ، كذلك يمكن تعليقه بأمر سابق عليه ، أو متأخّر عنه . فإذا فرض تعليقه بأمر متأخّر عن وجود الحكم فلا محالة تكون الفعلية قبل وجوده في الخارج ، وإلاّ لكانت الفعلية على خلاف الإنشاء ، وهو غير معقول .
والمثال الواضح للشرط المتأخّر في العرفيات الحماماتُ المتعارفة في زماننا فعلا ، فإنّ صاحب الحمام بعد أن كان مالكاً لشؤون تصرّفات حمامه ، يرضى في قرارة نفسه فعلا بالاستحمام لكل فرد على شرط أن يدفع المستحم مبلغ الاُجرة عند الخروج . فالرضا من المالك فعلي والشرط متأخّر .
وإنّ منع شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) عن تأخّر الشرط مبني على أنّ أخذ شيء مفروض الوجود في مرحلة الجعل والإنشاء ، يستلزم تحقّقه في الخارج حين فعلية الحكم ، لتفرّع الفعلية على تحقّقه على الفرض ، ولكنّك قد عرفت أنّ المفروض في مقام الجعل كما يمكن أن يكون هو الوجود المقارن أو الوجود المتقدّم ، يمكن أن يكون هو الوجود المتأخّر ، فيجعل حكم على موضوع مقيّداً بفرض أمر متأخّر عنه وجوداً ، وهذا لا استحالة فيه بوجه .
فاتّضح أنّ شرائط الحكم عبارة عن قيود الموضوع المأخوذة على نحو فرض الوجود متقدّماً على فعلية الحكم ، أو متأخّراً عنه ، أو مقارناً له ، وليس لها أي تأثير في نفس الحكم أصلا . وتسميتها بالشروط وبالأسباب مجرّد اصطلاح لا يترتّب عليه أثر في محل الكلام ، هذا كلّه في مقام الثبوت .
وأمّا بحسب مقام الإثبات : فظواهر الأدلّة تقتضي مقارنة الحكم للقيود
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 3 : 97 .
(2) أجود التقريرات 1 : 329 .
ــ[323]ــ
المأخوذة في موضوعه ، ولابدّ في الالتزام بتأخّر الشرط من قيام دليل يدلّ عليه . ومجرّد إمكان تأخّره لا يكفي في وقوعه ما لم يدلّ عليه دليل ، وقد دلّ الدليل على وقوعه في موارد خاصّة .
|