وكيف كان ، فقد أفاد الشيخ (قدّس سرّه) وجهين في تقريب مختاره :
الوجه الأول : أنّ دليل الوجوب مشتمل على إطلاقين :
أحدهما : إطلاق الهيئة ، وهو شمولي ، ومعناه الوجوب ـ مثلا ـ على كل تقدير ، سواء حصل القيد أم لم يحصل . فإذا فرض تقييد الهيئة فلابدّ من رفع اليد عن الإطلاق الشمولي .
وثانيهما : إطلاق المادّة ، وهو بدلي ، ومعناه طلب فرد ما من تلك الطبيعة التي تعلّق بها الحكم على سبيل البدل ، إمّا هذا أو ذاك ، فإذا فرض تقييدها فلابدّ من رفع اليد عن الإطلاق البدلي .
ومتى تردّد أمر قيد في الرجوع إلى أحدهما لزم التصرّف في المادّة دون الهيئة ، لأنّ الاحتفاظ ببقاء الإطلاق الشمولي خير من الاحتفاظ بالإطلاق البدلي .
ولا يخفى أنّ تقريبه هذا منحل إلى دعويين :
اُولاهما : دعوى كبروية ، مفادها تقديم الإطلاق الشمولي على الإطلاق البدلي .
وثانيتهما : دعوى أنّ هذه المسألة من صغريات تلك الكبرى الكلّية .
وقد ناقش صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) في الكبرى ، فمنع تقديم الإطلاق الشمولي على البدلي ، باعتبار تساويهما في الدلالة ، لأنّ دلالة كل منهما بالإطلاق وقد استفيد من مقدّمات الحكمة . ومجرّد أنّ الإطلاق شمولي في أحدهما لا يوجب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 106 .
ــ[336]ــ
تقدّمه على الإطلاق الآخر ، إذ المدار على الأظهرية في الدلالة ، والمفروض تساويهما من هذه الجهة . فلا وجه للتقديم أصلا .
نعم لو كانت الدلالة في أحدهما مستفادة من مقدّمات الحكمة ، وفي الآخر بالوضع كالعموم ، كانت الثانية مقدّمة على الاُولى ، لأنّها بيان ، ومن مقدّمات الحكمة عدم البيان .
وقد ذكر الشيخ (قدّس سرّه) ذلك في مبحث التعادل والتراجيح ـ في تعارض الإطلاق والعموم ـ ما نصّه : لا إشكال في ترجيح التقييد على ما حقّقه سلطان العلماء من كونه حقيقة ، لأنّ الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان ، والعام بيان ، فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضي الإطلاق ، والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العام للعموم ، فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل ، والمفروض وجود المقتضي له ، ثبت بيان التقييد ، وارتفع المقتضي للإطلاق ... فالمطلق دليل تعليقي ، والعام دليل تنجيزي(1). انتهى . ــــــــــــــ
(1) فرائد الاُصول 2 : 792 .
|