لزوم تقديم التعفير على الغسلتين - كفاية الغسل مرّة إذا غسل الاناء بالماء الكثير 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6458


ــ[54]ــ

    [ 319 ] مسألة 12 : يجب تقديم التعفير على الغسلتين فلو عكس لم يطهر (1) .

   [ 320 ] مسألة 13 : إذا غسل الاناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث ، بل يكفي مرّة واحدة حتى في إناء الولوغ (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لأنه مقتضى الصحيحة المتقدِّمة (1) حيث ورد فيها «واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء» وقد أشرنا سابقاً إلى أن ما حكي عن المفيد (قدس سره) من أن الاناء يغسل من الولوغ ثلاثاً وسطاهنّ بالتراب أو إحداهنّ بالتراب كما عن محكي الخلاف والانتصار (2) من دون تخصيصه بالغسلة الاُولى ممّا لا دليل عليه .

   (2) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

   أحدهما : في تطهير الاناء المتنجِّس بغير الولوغ ـ كالمتنجِّس بالخمر أو بولوغ الخنزير أو موت الجرذ فيه وغيره من المتنجِّسات التي يعتبر فيها التعدّد كالثوب المتنجِّس بالبول حيث يجب غسله مرّتين  ـ  ، ويقع الكلام فيه في أنه إذا غسل بالماء العاصم من الكر والجاري والمطر فهل يعتبر فيه ذلك العدد كما إذا غسل بالماء القليل أو يكفي فيه الغسل مرّة واحدة ؟

   التحقيق أن المتنجِّسات المعتبر فيها العدد لا يفرق الحال في تطهيرها بين الغسل بالماء القليل وغسلها بغيره من المياه المعتصمة ، وذلك لاطلاق ما دلّ على وجوب غسلها متعدداً فان تقييده بالغسل بالماء القليل مما لم يقم عليه دليل ومعه ، لا بدّ من اعتبار العدد في تطهيرها مطلقاً .

   هذا ولكن المعروف بينهم سقوط التعدّد في الغسل بغير الماء القليل ، بل ظاهر الكلام المحكي عن الشهيد (قدس سره) أن المسألة كالمتسالم عليها عندهم ، حيث قال : «لا ريب في عدم اعتبار العدد في الجاري والكثير ...» (3) وإنما الكلام في مدرك ذلك . وقد استدلوا عليه بوجوه :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 41 .

(2) في ص 40 .

(3) الذكرى : 15 السطر 16 .

ــ[55]ــ

   الأوّل : دعوى انصراف ما دلّ على اعتبار التعدّد إلى الغسل بالقليل ، ومع عدم شموله الغسل بالماء الكثير ونحوه لا مناص من الرجوع فيه إلى المطلقات وهي تقتضي كفاية الغسل مرّة واحدة .

   وفيه : أن دعوى الانصراف لا منشأ لها غير غلبة الوجود لغلبة الغسل بالماء القليل ، فان الأحواض المعمولة في زماننا لم تكن متداولة في تلك العصور وإنما كان تطهيرهم منحصراً بالمياه القليلة إلاّ بالاضافة إلى سكنة السواحل وأطراف الشطوط وقد ذكرنا في محله أن غلبة الوجود غير مسببة للانصراف ولا سيما إذا كان المقابل أيضاً كثير التحقّق في نفسه كما هو الحال في المقام ، لأن الغسل بالماء الكثير أيضاً كثير كما في البراري والصحار ولا سيما في أيام الشتاء ، لكثرة اجتماع المياه الناشئة من المطر وغيره في الغدران حينئذ ، فدعوى الانصراف ساقطة .

   الثاني : ما أرسله العلاّمة في المختلف(1) عن أبي جعفر (عليه السلام) مشيراً إلى ماء في طريقه : «إن هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهره ...»(2) فانّه يدل على أن مجرد الاصابة كاف في التطهير بالماء الكثير من غير توقفه على الغسل فضلاً عن تعدده ، فان للحديث نوع حكومة ونظر على الأدلّة القائمة على لزوم الغسل في المتنجسات .

   ويدفعه : أن الرواية ضعيفة بارسالها ، ودعوى أنها منجبرة بعمل الأصحاب غير قابلة للاصغاء إليها ، لأ نّا لو قلنا بانجبار الرواية الضعيفة بعمل الأصحاب على طبقها فانّما هو في غير المقام ، لأن هذه الرواية ليس لها عين ولا أثر في جوامع الأخبار ولا في كتب الاستدلال قبل العلاّمة (قدس سره) فأين كانت الرواية قبله ؟ وهو إنما ينقلها عن بعض علماء الشيعة ولا ندري أنه من هو ؟ نعم قيل إن مراده ابن أبي عقيل إلاّ أنه مجرّد حكاية لم تثبت مطابقتها للواقع ، لاحتمال إرادة غيره فالرواية مرسلة وغير قابلة للانجبار بعملهم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا وبمراجعة المختلف [ 1 : 15 ] ظهر أن مرسلها هو ابن أبي عقيل ، ومن ثمة نسبها إليه النوري في مستدركه حيث قال : العلاّمة في المختلف عن ابن أبي عقيل قال : ذكر بعض علماء الشيعة ... ، وإن كانت الرواية معروفة بمرسلة العلاّمة (قدس سره) وعليه فلا وقع لما قيل من أن مراده ببعض علماء الشيعة هو ابن أبي عقيل فلاحظ .

(2) تقدّم نقله عن المستدرك في ص 14 .

ــ[56]ــ

   الثالث : مرسلة الكاهلي «كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر» (1) حيث دلت على كفاية مجرّد الرؤية في التطهير بماء المطر ، وبعدم القول بالفصل بينه وبين غيره من المياه العاصمة يتم المدعى ، فلا حاجة في التطهير بها إلى تعدد الغسل .

   ويندفع هذا أولاً بأنها مرسلة ولا يعتمد في شيء . وثانياً بأن الاتفاق على عدم الفصل بين المطر وغيره لم يثبت بوجه ، فان دعواهم ذلك لا يزيد على الاجماع المنقول بشيء ، بل الدعوى المذكورة معلومة الخلاف ، كيف وقد فصّلوا بين ماء المطر وغيره بعدم اعتبارهم العصر في الغسل بالمطر بخلاف الغسل بغيره من المياه ، وهذا كاشف قطعي عن عدم التلازم بينهما في الأحكام ، فالحكم على تقدير ثبوته خاص بالمطر ولا يمكن تعديته إلى غيره . فلو تنازلنا عن ذلك فغاية الأمر أن نتعدى إلى الجاري فحسب ـ  بناء على أن ماء المطر كالجاري كما قيل  ـ فان التشبيه على تقدير ثبوته وإن كان من طرف ماء المطر إلاّ أ نّا ندعي ـ مماشاة للمستدل ـ أن الجاري أيضاً كالمطر وأن الأحكام المترتبة على أحدهما مترتبة على الآخر إلاّ أن إلحاق غيره كالكثير يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه .

   الرابع : إطلاق أدلة التطهير بالماء كالآيات والأخبار المتقدمتين في أوائل الكتاب وإطلاق ما دلّ على أن المتنجِّس يطهر بغسله من غير تقييده بمرتين أو أكثر على ما تقدم في البحث عن اعتبار التعدّد في البول(2) ، فراجع .

   ويدفعه : أن العبرة إنما هو باطلاق دليل المقيد ، وهو ما دلّ على لزوم التعدّد في غسل الثوب المتنجِّس بالبول والاناء المتنجِّس بالخمر أو بولوغ الخنزير أو بوقوع ميتة الجرذ فيه ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في اعتبار التعدّد بين غسله بالماء القليل وغسله بالكثير .

   الخامس : صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول ، قال : إغسله في المِركَن مرتين ، فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة»(3) بتقريب أن جملة «فان غسلته في ماء جار فمرة» بيان للمفهوم المستفاد من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 146 / أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5 .

(2) في ص 35 .

(3) الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 2 ح 1 .

ــ[57]ــ

الجملة السابقة عليها أعني قوله (عليه السلام) «اغسله في المِركَن مرتين» الذي يدل على لزوم التعدّد في غسل المتنجِّس بالبول بالماء القليل ، ويستفاد من مفهومها عدم اعتبار التعدّد فيما إذا غسل بغيره من المياه العاصمة بلا فرق في ذلك بين غسله بالماء الكثير وغسله بالجاري ونحوهما مما لا ينفعل بالملاقاة . وأما تعرضه (عليه السلام) للغسل بالجاري دون الكثير فلعله مستند إلى قلة وجود الماء الكثير في عصرهم (عليهم السلام) فالتصريح بكفاية المرة في الجاري لا دلالة له على اختصاص الحكم به ، بل الجاري وغيره من المياه العاصمة سواء والتعدّد غير معتبر في جميعها .

   وهذه الدعوى كما ترى مجازفة ولا مثبت لها ، لأنها ليست بأولى من عكسها ، فلنا أن نعكس الدعوى على المدعي بتقريب أن جملة «اغسله في المِركَن مرّتين» تصريح وبيان للمفهوم المستفاد من الجملة المتأخرة عنها أعني قوله (عليه السلام) «فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» إذن تدلنا الصحيحة على أن الغسلة الواحدة تكفي في الجاري خاصة ولا تكفي في غيره من المياه ، بلا فرق في ذلك بين الماء القليل والكثير وإنما صرّح بالغسل بالقليل دون الكثير من جهة قلة وجود الكر في عصرهم (عليهم السلام) لأنه لم يكن يوجد وقتئذ إلاّ في الغدران الواقعة في الصحاري والقفار فالاحتمالان متساويان ولا يمكن الاستدلال بالصحيحة على أحدهما ، فالصحيح أن الصحيحة لا تعرّض لها على كفاية المرّة في الغسل بالكثير إثباتاً ولا نفياً .

   السادس : ما ورد في صحيحة داود بن سرحان(1) من أن ماء الحمام بمنزلة الماء الجاري ، وتقريب دلالتها على المدعى أن المياه الكائنة في الحياض الصغار ـ  مع أنها ماء قليل  ـ إنها نزلت منزلة الماء الجاري الذي يكفي فيه الغسل مرة واحدة لاعتصامها بمادتها أعني الماء الموجود في الخزانة وهو كثير ، إذن فنفس المادة التي هي الماء الكثير أولى بأن تنزّل منزلة الجاري في كفاية الغسل مرة واحدة ، وعلى ذلك فالكثير كالجاري بعينه ولا يعتبر فيه التعدّد .

   ويرد على هذا الاستدلال : أن التنزيل في الصحيحة إنما هو بلحاظ الاعتصام وهو الذي نطقت به جملة من الروايات ، وليس من جهة أن ماء الحمام حكمه حكم الجاري

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 148 / أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1 .

ــ[58]ــ

مطلقاً حتى يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الجاري ، وتوضيحه : أن المياه الكائنة في الحياض الصغار في الحمامات ماء قليل ينفعل بملاقاة النجس لا محالة وكونها متصلة بالماء الكثير في موادها لا يوجب التقوي لدى العرف لعدم تقوي الماء السافل بالعالي حسب الارتكاز ، كما أن النجاسة لا تسري من السافل إلى العالي لأنهما ماءان متغايران عرفاً ، ومعه فمقتضى القاعدة انفعال الماء في الأحواض الصغار ولأجل هذه الجهة سألوهم (عليهم السلام) عن حكمها وأنها تنفعل بالملاقاة أو لا تنفعل ، فأجابوا (عليهم السلام) أنها معتصمة لاتصالها بالمواد فالسؤال عن حكمها إنما هو من جهة أن اعتصامها على خلاف القاعدة ، والتشبيه بالجاري في كلامهم (عليهم السلام) لدفع توهم الانفعال ، ببيان أن مياه الأحواض الصغار لا تنفعل بالملاقاة ، لا أن حكمها حكم الجاري مطلقاً حتى يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الجاري .

   فالصحيح عدم الفرق في الموارد التي اعتبر فيها التعدّد بين الغسل بالماء القليل والغسل بالكثير . نعم خرجنا عن ذلك في خصوص غسل المتنجِّس بالبول في الجاري للصحيحة المتقدِّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) «فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» هذا كله في هذا المقام .

   وثانيهما : الاناء المتنجِّس بالولوغ وأنه إذا غسلناه بالماء العاصم فهل يعتبر فيه التعدّد أو يكفي فيه الغسل مرة ؟ وقد نسب القول بالتعدد إلى جماعة في المقام إلاّ أن الصحيح عدم الاعتبار كما أفاده الماتن (قدس سره) وذلك لما قدّمناه(1) من أن موثقة عمار الآمرة بغسل الاناء المتنجِّس ثلاث مرات مختصة بالماء القليل ، فان صبّ الماء فيه وتفريغه لا يتحقق عادة إلاّ في القليل ، وبها قيدنا المطلقات المقتضية للاجتزاء بالغسلة الواحدة في الماء القليل .

   وأمّا الغسل بالمياه العاصمة فمقتضى إطلاق صحيحتي البقباق ومحمّد بن مسلم كفاية الغسل مرّة واحدة ، ولم يرد عليهما ما يقتضي التقييد في الكثير ونحـوه، فلا موجب لرفع اليد عن إطلاقهما حينئذ في غير الماء القليل . نعم إذا بنينا على أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 49 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net