ــ[343]ــ
تنبيهات
التنبيه الأول : أنّ المقدّمة التي يبحث عن وجوبها لا يفرّق فيها بين أن تكون مقدّمة لواجب مشروط أو مطلق ، خلافاً لصاحب المعالم (قدّس سرّه) حيث خصّ النزاع بمقدّمة الواجب المطلق ، كما قال في صدر البحث : الأكثرون على أنّ الأمر بالشيء مطلقاً يقتضي إيجاب ما لا يتمّ إلاّ به ، شرطاً(1) الخ .
والصحيح عدم الاختصاص بذلك ، لأنّه بناءً على الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها لا يفرق الحال بين المطلق والمشروط ، غاية الأمر مقدّمة الواجب تكون تابعة له في الإطلاق والاشتراط ، لبداهة أنّ التفكيك بينهما بالإطلاق والتقييد ينافي ما فرض لهما من الملازمة بين الوجوبين ، إذ مع تقييد أحدهما وقبل حصول القيد لا يترتّب عليه الوجوب كما هو الفرض ، بينما يترتّب الوجوب على الآخر بحكم ما فرض له من الإطلاق . ووجود أحدهما مع عدم الآخر ينافي القول بالملازمة بين وجوبيهما كما هو الفرض .
التنبيه الثاني : أنّ المقدّمات الوجوبية التي اُخذت مفروضة الوجود ـ كالاستطاعة بالإضافة إلى وجوب الحجّ ـ خارجة عن بحث وجوب المقدّمة ، فإنّه لا معنى لترشّح الوجوب الغيري عليها ، إذ الوجوب قبل حصولها مفقود ، وبعد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معالم الدين : 60 .
ــ[344]ــ
حصولها لا معنى لطلبه ، لأنّه تحصيل الحاصل . نعم يمكن أن تكون المقدّمة الوجوبية واجبة بوجوب آخر نفسي غير وجوب ذي المقدّمة ، كالنذر واليمين . وهذا أجنبي عن مقامنا .
التنبيه الثالث : لا إشكال في وجوب تعلّم الأحكام الشرعية وتعلّم موضوعاتها ومتعلّقاتها ، لا بملاك وجوب مقدّمة الواجب ، فإنّ معرفة الحكم ليست ممّا يتوقّف عليه وجوب الواجب أو ترك الحرام . ومعرفة المتعلّق وإن كانت من المقدّمات أحياناً ، إلاّ أنّ وجوبها لا يدور مدار القول بوجوب المقدّمة ، بل هو ثابت بالكتاب والسنّة ، إنّما الإشكال في أنّه وجوب نفسي أو طريقي.
ذهب المحقّق الأردبيلي (قدّس سرّه)(1) وجماعة إلى الأول ، استناداً إلى جملة من الأدلّة ، حيث ورد في قوله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(2) وفي قوله (صلّى الله عليه وآله) : « طلب العلم فريضة على كل مسلم »(3)و « اطلبوا العلم ولو في الصين »(4) وما ورد في الخبر : إنّ العبد يؤتى به يوم القيامة فيقال له : هلاّ عملت ، فيقول : ما تعلّمت ، فيقال : هلاّ تعلّمت(5)، حيث دلّ على أنّ التعلّم مأمور به شرعاً ، فكان واجباً نفسياً .
ولكن الصحيح هو الثاني كما ذهب إليه المشهور ، ببيان : أنّ العقل يحكم على كل من يحتمل توجّه التكليف إليه من قبل مولاه وأنّ ذلك في معرض الوصول إليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مجمع الفائدة والبرهان 2 : 110 .
(2) النحل 16 : 43 .
(3) الوسائل 27 : 26 / أبواب صفات القاضي ب4 ح16 ، 18 ـ 20 .
(4) المصدر المتقدّم من الوسائل ح20 ، وفيه : « اطلبوا العلم ولو بالصين » .
(5) بحار الأنوار 2 : 29 ، 180 (نقل بالمضمون) .
ــ[345]ــ
بلزوم الفحص عنه وتعلّمه ، لأنّ احتمال التكليف الذي هو في معرض الوصول مساوق لاحتمال العقوبة على مخالفته ، والعقل يحكم بلزوم تحصيل الأمن من العقوبة .
أمّا قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا تتأتّى في الموارد التي يكون عدم وصول التكليف فيها من جهة تساهل العبد ، وتسامحه في تعلّم الأحكام ، مع فرض بيان المولى ، وكون بيانه في معرض الوصول ، نعم لو لم يكن البيان في معرض الوصول كان التكليف بنفسه قاصراً ، فلا عقاب على المكلّف في مخالفته .
ومن هنا ظهر أنّ الروايات المتقدّمة إنّما تشير إلى هذا المعنى ، وهو الإرشاد إلى حكم العقل ، دون أن يكون الوجوب فيها نفسياً .
التنبيه الرابع : لا إشكال في إطلاق لفظ الواجب على الواجب المطلق حقيقة كما أنّ إطلاقه على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول شرطه حقيقة أيضاً ، وأمّا إطلاقه عليه لا بهذا اللحاظ فعلى ما ذهب إليه الشيخ (قدّس سرّه)(1) من رجوع القيد إلى المادّة يكون حقيقة أيضاً ، وذلك لأنّ الوجوب فعلي ، وإن كان الواجب مشروطاً بأمر متأخّر .
وأمّا على ما ذهب إليه المشهور ـ من رجوع القيد إلى الهيئة ـ فمجاز بعلاقة الأول والمشارفة ، لعدم تحقّق نفس الوجوب فعلا . وقد ذكرنا في بحث المشتق(2) أنّ إطلاق المشتق على الذات التي لم تتلبّس بالمبدأ فعلا مجاز ، وإن كان بالإضافة إلى المنقضي محل خلاف .
التنبيه الخامس : أنّ استعمال اللفظ الذي يستفاد منه الوجوب كهيئة افعل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مطارح الأنظار : 52 .
(2) في ص149 .
ــ[346]ــ
وحرف الجر في قوله تعالى : (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)(1)وأمثالهما في المطلق والمشروط على نحو الحقيقة ، فإنّ كل لفظ من الألفاظ إنّما وضع للطبيعة المهملة التي قد يطرأ عليها الإطلاق كما يطرأ عليها التقييد ، وكل واحد من الأمرين خارج عمّا وضع له اللفظ ، وإنّما يستفاد بدال آخر .
فالإطلاق يستفاد من مقدّمات الحكمة كما هو الغالب ، أو من تصريح المولى بالإطلاق .
أمّا التقييد فالغالب فيه استفادته من ذكر المولى للقيد ، وقد يستفاد من جهة الانصراف ونحوه . وقد أوضحنا هذا المعنى في بحث المطلق والمقيّد ، ويترتّب عليه أنّ التقييد لا يوجب المجازية ، وعدم استعمال اللفظ في غير ما وضع له .
والحاصل : أنّ اللفظ الذي يستفاد منه الوجوب قد استعمل فيما وضع له ، من دون فرق بين الواجب المطلق والمشروط ، فإنّ الإطلاق في الأول يستفاد من مقدّمات الحكمة ، والقيد في الثاني يستفاد من ذكر القيد متّصلا أو منفصلا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 3 : 97 .
|