ثمّ إنّه هل يكون في الواجبات قسم ثالث لا يكون نفسياً ولا غيرياً ؟ فقد يتوهّم ذلك بالنسبة إلى المقدّمات المفوّتة ، كالغسل ليلا للجنب لصوم غد ، معلّلا ذلك بعدم انطباق تعريف كل منهما عليه .
أمّا عدم وجوبه النفسي فلأنّ تركه لا يستوجب العقاب عليه ، وإنّما يستحقّ العقاب من جهة ترك ذي المقدّمة .
وأمّا عدم وجوبه الغيري فلأنّ وجوبه حاصل قبل وجوب ذي المقدّمة ومن شأن كل مقدّمة أن يتأخّر وجوبها عن وجوب ذيها.
هذا على تقدير أن لا نقول بالواجب المعلّق ، وأمّا بناء على صحّته فالغسل ليلا واجب غيري ، لأنّ الوجوب فعلي مستفاد من قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(1).
وهذا الإشكال إنّما يرد إن أخذنا بمقالة القائلين بأنّ وجوب ذي المقدّمة علّة لوجوب المقدّمة ، فإنّه لا معنى لتحقّق المعلول قبل تحقّق علّته ، فلا تتّصف المقدّمات المفوّتة بالوجوب الغيري . وإن لم نقل بهذه المقالة ، ولم نعتبر وجوب المقدّمة معلولا لوجوب ذيها ، بل قلنا ـ كما هو التحقيق ـ بأنّ الوجوب الغيري ما كان منشؤه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 185 .
ــ[372]ــ
اشتياق المولى إلى ذيها لوجود ملاك ملزم ، فلا يرد الإشكال ، بل نلتزم بكون وجوبه وجوباً غيرياً .
|