ــ[378]ــ
الثواب على الواجب الغيري
لا إشكال في أنّ ترك الواجبات النفسية يستلزم العقاب من المولى ، باعتبار أنّه تمرّد وطغيان عليه . كما لا إشكال في عدم استلزامه لترك الواجبات الغيرية من حيث أنفسها ، لا من جهة ما يؤدّي إلى ترك الواجب النفسي ، إنّما الإشكال في مقامين :
المقام الأول : في وجه ترتّب الثواب على امتثال الواجب النفسي ، وهل هو بالاستحقاق أو التفضّل ؟
المقام الثاني : في ترتّب الثواب على الواجب الغيري .
أمّا البحث عن المقام الأول : فقد اختلف القوم فيه ، فذهب جمهور الفقهاء والمتكلّمين(1) إلى الأول وهو الاستحقاق ، بينما ذهب المفيد (رحمه الله)(2) وجماعة إلى الثاني وهو التفضّل ، بدعوى أنّ العبد ليس أجيراً في عمله للمولى ليستحقّ الثواب عليه ، وإنّما جرى على طبق وظيفته وعبوديته من إطاعة أمر مولاه ، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتفضّل على عبده فيعطيه الثواب .
والقائل بالاستحقاق إن أراد من كلامه أنّ العبد بعد امتثاله الواجب وقيامه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 407 المسألة الخامسة .
(2) أوائل المقالات (مصنّفات الشيخ المفيد 4) : 111 .
ــ[379]ــ
بإظهار العبودية يلزم على المولى أن يثيبه ، بحيث لو ترك ذلك لكان ظلماً منه تعالى فهذا غير صحيح قطعاً ، لأنّ العقل يحكم على العبد بمقتضى قانون العبودية أن يقوم بإطاعة أوامر مولاه بلا تقاعس في ذلك .
وإن أراد من ذلك أنّ العبد لو قام بالامتثال وأظهر الإخلاص لسيّده ، فإنّ ثواب سيّده له لو تفضّل عليه به يقع في محلّه ، وفي مورد يليق به ، فهذا صحيح ومتين ، ولكنّه عين التفضّل . وربما عاد النزاع بين الطرفين لفظياً إن أراد القائلون بالاستحقاق ذلك منه .
وأمّا البحث عن المقام الثاني ـ وهو ترتّب الثواب على الواجب الغيري واستحقاقه ذلك ـ فنقول : لا ينبغي الإشكال في أنّ المراد من الاستحقاق إن كان هو المعنى الأول ـ بمعنى لزوم إعطاء الثواب من المولى للعبد ، بحيث لو ترك ذلك لكان قبيحاً ـ فهو غير لازم قطعاً بالنسبة إلى الواجب الغيري حتّى لو قلنا بلزومه بالنسبة للواجب النفسي .
وإن كان هو المعنى الثاني ـ وهو ما سبق من كون الثواب واقعاً في محلّه ، الذي هو المختار في الثواب المترتّب على الواجب النفسي ـ فهو صحيح ، بل الالتزام بهذا لا يتوقّف على القول بوجوب المقدّمة شرعاً ، إذ حتّى على القول بعدم الملازمة بين وجوب المقدّمة وذيها يتمّ هذا المبنى .
نعم لو أتى بالمقدّمة بلا قصد التوصّل إلى الواجب النفسي فقد فات الثواب منه ، لعدم تأهيل نفسه له ، لعدم التفاته إلى ذلك . كما أنّ الواجب النفسي التوصّلي إذا لم يقصد به ذلك لم يترتّب عليه الثواب ، وإن سقط الأمر .
ثمّ إنّه بعد البناء على استحقاق فاعل الواجب الغيري الثواب ، فهل يكون بالإتيان للمقدّمة وذيها مستحقّاً لثوابين ، أحدهما على الغيري ، وثانيهما على النفسي ، أو لثواب واحد على خصوص النفسي ، ولكنّه أكثر ، لإتيانه بالمقدّمة ؟
ــ[380]ــ
والظاهر هو الأول ، وإن ذهب صاحب الكفاية(1) وشيخنا الاُستاذ(2) (قدّس سرّهما) إلى الثاني .
والوجه فيما استظهرناه هو وجود ملاك الاستحقاق في المقدّمة ، وهو الانقياد وإظهار الطاعة بقصد التوصّل إلى الواجب النفسي ، فكان الملاك الحاصل من الواجب الغيري في عرض الملاك الحاصل من الواجب النفسي ، فيستحقّ ثوابين .
والذي يؤيّد ما قلناه : أنّه لو أتى بالمقدّمة بقصد التوصّل إلى ذيها ، ثمّ لم يتمكّن من الإتيان بذي المقدّمة لمانع ، استحقّ الثواب على ما جاء به ، وليس هذا إلاّ لأنّه انقاد بعمله ، وأظهر الطاعة والإخلاص لمولاه ، فكان مستحقّاً للثواب . وبهذا يفترق القولان بحسب النتيجة .
|