الفرع الأول : ما لو جهل المكلّف القبلة فلزمته الصلاة إلى أربع جهات ، أو جهل النجس في ثوبين فلزمته الصلاة بكل واحد منهما ، ولكنّه تماهل وجاء بصلاة واحدة إلى جهة من الجهات الأربع ، أو بصلاة واحدة في ثوب واحد ، ولم يأت بالباقي ، وصادف عمله الواقع ، كانت صلاته باطلة ، وذلك لأنّ الإتيان بالصلاة إلى جهة واحدة أو في ثوب واحد إنّما هو مقدّمة لتحصيل الواجب النفسي ، وهذه المقدّمة لم يأت بها بقصد التوصّل إلى الواجب النفسي ، ولابدّ من الإتيان بما هو واجب عليه. فالإعادة لازمة .
وغير خفي أنّ استبعاد شيخنا (قدّس سرّه) في محلّه ، فإنّ وجوب الصلاة إلى الجهات الأربع إنّما هو من باب المقدّمة العلمية ، والبحث فيها لا يبتني على القول
ــ[397]ــ
بوجوب المقدّمة وعدمه ، فإنّ الحاكم فيها هو العقل ، أمّا مورد النزاع من اعتبار قصد التوصّل وعدمه فإنّما هو في المقدّمة الوجودية ، ولا ربط لإحدى المقدّمتين بالاُخرى .
نعم ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في رسائله في أواخر بحث البراءة(1) ما حاصله : أنّ الإطاعة الاحتمالية هل هي في طول الإطاعة اليقينية التفصيلية أو الإجمالية ، أو في عرضها ؟ فإن قلنا بالثاني كان ما جاء به صحيحاً وممتثلا ، إذ المفروض تحقّق الواجب في الخارج ، وقد قصد التقرّب به احتمالا . وإن قلنا بالأول كان ما جاء به فاسداً وإن صادف عمله الواقع ، لأنّ الطريقة التي جاء بها غير صحيحة ، لفقدها حصول التقرّب ، فإنّ التقرّب بالامتثال الاحتمالي إنّما يكون مع العجز عن الامتثال اليقيني ولو إجمالا ، والمفروض أنّه متمكّن من الإطاعة الإجمالية بسبب التكرار ، فلا يجوز له الرجوع إلى الإطاعة الاحتمالية .
الفرع الثاني : لو توضّأ المكلّف لغاية خاصّة ـ كقراءة القرآن ـ فلا يجوز له الدخول إلى الصلاة بذلك الوضوء ، باعتبار أنّ الغاية الثانية لم تكن مقصودة حين الوضوء ، وإنّما كان المقصود غاية اُخرى . فلو أتى بالصلاة بذلك الوضوء فقد جاء بها بدون مقدّمة ، وذلك باطل .
والحاصل : أنّ الغايات المشروطة بالطهارة إذا لم تكن مقصودة ، لا يمكن الإتيان بها ما دام المكلّف قد أتى بها لغاية اُخرى .
وقد أشكل المقرّر نفسه على هذا الفرع ، وادّعى عدم تحقّق ثمرته في الوضوء وإنّما تظهر في الغسل ، بدعوى أنّ الوضوء ماهية واحدة لا تقبل التعدّد ، وهي عبارة عن ذات الأفعال مع قصد التقرّب ، وهذه الماهية حقيقة واحدة وإن اختلف سببها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فرائد الاُصول 2 : 457 .
ــ[398]ــ
فلو جيء بها لغاية خاصّة ترتّبت عليها غاية اُخرى ، فلا يكون لاعتبار قصد التوصّل حينئذ ثمرة .
وأمّا الغسل فليس كذلك ، فإنّه عبارة عن ماهيات مختلفة . فلو قصد بالغسل غاية مخصوصة ، فلا تترتّب عليه غاية اُخرى ، لأنّ كل غاية محتاجة إلى ماهية تختلف حقيقتها عن الماهية الاُولى . فهذا المعنى يتأتّى في الغسل ، دون الوضوء .
وأشكل عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) بأنّ الغسل وإن اختلفت ماهيته بحسب أسبابه ـ كالجنابة ـ إلاّ أنّها لا تختلف بحسب غاياته ، ولا يحتمل أحد أنّ غسل الجنابة لأجل قراءة القرآن غيره لأجل الدخول في الصلاة ، فكان الغسل والوضوء من هذه الجهة شيئاً واحداً . فكما تترتّب الغايات على الوضوء ، كذلك تترتّب على الغسل أيضاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 341 .
|