ــ[409]ــ
وجوب المقدّمة ، أو إلى الواجب دون الوجوب .
وعلى الأول ـ وهو رجوع القيد إلى الوجوب ـ : فيلزم التفكيك بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط ، لأنّ معناه أنّ وجوب المقدّمة مقيّد بالإيصال ، وأمّا الواجب النفسي فغير مقيّد به ، وقد عرفت سابقاً(1) أنّ مقتضى الملازمة تبعية وجوب المقدّمة لوجوب ذيها في الإطلاق والاشتراط .
وعلى الثاني ـ وهو رجوع القيد إلى الواجب دون الوجوب ـ : فلازمه هو القول بالدور أو التسلسل ، وهما محالان كما مرّ بيان ذلك مفصّلا ، وإذا ثبت امتناع التقييد بالإيصال ، سواء كان بالإضافة إلى الوجوب أم الواجب ، امتنع الإطلاق بالضرورة ، فلا مجال للقول بوجوب المقدّمة مطلقاً ، سواء كانت موصلة أم لا ، لما مرّ في بحث التعبّدي والتوصّلي(2) من أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل الملكة والعدم ، لا تقابل الضدّين . ونتيجة ذلك : أنّ معروض الوجوب الغيري لم يؤخذ مقيّداً ولا مطلقاً ، بل هو مهمل من هذه الجهة .
لكن الغرض من إيجابه لمّا كان هو التوصّل به إلى الواجب ، فلابدّ من القول بأنّ المقدّمة واجبة من حيث الإيصال ، بمعنى أنّ الداعي إلى إيجابها هو كونها موصلة إلى الواجب النفسي ، لا أنّها مقيّدة بالإيصال ، وذلك لأنّ المفروض أنّ المقدّمة من حيث هي لا غرض فيها ، ولا مصلحة تقتضيها ، وإنّما أوجبها المولى لهذا الداعي وهو التوصّل بها إلى الواجب ، وحيث تعذّر تقييدها بذلك لم يقيّدها به ، فالمقدّمة التي لا تكون واقعة في السلسلة المذكورة لا تكون واجبة . فلو جاء المكلّف بالمقدّمة ولم توصل إلى الواجب النفسي بقيت على حكمها قبل كونها مقدّمة ، وهذا هو المقدار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص388 .
(2) في ص243 .
ــ[410]ــ
المتّفق عليه بين شيخنا الاُستاذ وصاحب الحاشية (قدّس سرّهما) .
وأمّا مورد الاختلاف بينهما فذلك في المقدّمة المحرّمة التي تقع لواجب أهم كسلوك الأرض المغصوبة لإنقاذ الغريق ، فقد ادّعى صاحب الحاشية (قدّس سرّه) أنّ المقدّمة المذكورة إنّما تتّصف بالوجوب من حيث إيصالها إلى إنقاذ الغريق وتتّصف بالحرمة في نفس الوقت على تقدير عصيان الأمر الوارد عليها ، وهو وجوب السلوك من حيث الإنقاذ . فهي متّصفة بحكمين متضادّين : الوجوب والحرمة على نحو الترتّب .
وأمّا على مسلك شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) في باب الترتّب ، فالمقدّمة المذكورة متّصفة بالوجوب من حيث الإيصال إلى الواجب النفسي ، ومتّصفة بالحرمة على تقدير عصيان خطاب ذلك الواجب النفسي ، لا الخطاب المتوجّه إليها .
وكيف كان ، فكلاهما متّفقان على بقاء حرمة المقدّمة المحرّمة إذا لم يترتّب عليها الإيصال ، وإن اختلفا في الطريق .
والجواب على ذلك :
أمّا أولا : فبأنّ محذور الدور والتسلسل غير وارد هنا كما أوضحناه في ردّ الإشكال على صاحب الفصول .
وثانياً : أنّ ما ذكره (قدّس سرّه) من وجود الملازمة بين استحالة التقييد والإطلاق غير مسلّم ، فإنّ التقييد إن استحال في مورد فلابدّ وأن يثبت الإطلاق أو التقييد بشيء آخر ـ كما سبق بيانه غير مرّة ـ لأنّ كل شيء بحسب واقعه بعد ملاحظته بالإضافة إلى شيء آخر إمّا أن يقيّد به ، أو يقيّد بعدمه ، أو يطلق . ولا يكون مهملا ، لأنّ الإهمال في الواقعيات غير صحيح .
فلو تعذّر التقييد بكل من الوجود والعدم ثبت الإطلاق لا محالة ، وهنا لمّا كان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع أجود التقريرات 1 : 352 .
ــ[411]ــ
التقييد بالإيصال مستحيلا ، وكان التقييد بعدمه مستحيلا أيضاً ، تعيّن الإطلاق بالضرورة ، فكان وجوب المقدّمة مطلقاً ، ويثبت حينئذ ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدّس سرّه) .
وثالثاً : أنّ الترتّب الذي اختاره (قدّس سرّه) هنا ليس بتامّ ، وإن قلنا بصحّة الترتّب في محلّه(1)، لأنّ اجتماع الحكمين المتضادّين على الشيء الواحد بعنوان الترتّب غير صحيح ، وإنّما الصحيح ـ كما سيجي إن شاء الله تعالى في بحث الترتّب ـ ورود حكمين على موضوعين في آن واحد لمكلّف واحد ، كالإزالة والصلاة ، فيقال بوجوب الإزالة ووجوب الصلاة على تقدير عصيان الإزالة في آن واحد .
بيان ذلك : أنّ الترتّب وإن قلنا به فيما لو كان ترك أحد الضدّين مقدّمة لوجود الضدّ الآخر ، إلاّ أنّ القول به هنا غير صحيح ، فإنّ لازمه أنّ وجوب المقدّمة يكون مشروطاً باطاعة الواجب النفسي ، كما أنّ حرمتها مشروطة بعصيانه ، وحينئذ لابدّ من النظر إلى ذلك الواجب النفسي لنرى الحال فيه ، فهل هو أيضاً مقيّد بالإتيان بنفسه أو لا ؟ فإن لم يكن مقيّداً ، بل كان مطلقاً من هذه الجهة ، لزم محذور التفكيك بين المقدّمة وذيها ، حيث كانت مقيّدة وكان الواجب مطلقاً ، وقد عرفت أنّهما غير منفكّين من حيث الإطلاق والاشتراط .
أمّا لو كان مقيّداً بالإتيان بنفسه ، فيتوجّه إشكال طلب الحاصل ، لأنّ معنى تقييد الوجوب في الواجب النفسي بالإتيان به ، هو أنّه على تقدير وجوده يتّصف بالوجوب ، وهذا هو معنى طلب الحاصل .
فالمتحصّل ممّا قلناه : أنّ الواجب من المقدّمة ما وقعت في سلسلة علل وجود الشيء ، وأنّ المراد من الإيصال هو الإشارة إلى الذات التي وقعت في السلسلة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع محاضرات في اُصول الفقه 2 (موسوعة الإمام الخوئي 44) : 385 ، 399 .
|