3 ـ غموض معاني القرآن: إن في القرآن معاني شامخة، ومطالب غامضة، واشتماله على ذلك يكون مانعا عن فهم معانيه، والإحاطة بما أريد منه، فإنا نجد بعض كتب السلف لا يصل إلى معانيها إلا العلماء المطلعون، فكيف بالكتاب المبين الذي جمع علم الأولين والآخرين. والجواب: إن القرآن وإن اشتمل على علم ما كان وما يكون، وكانت معرفة هذا من القرآن مختصة بأهل بيت النبوة من دون ريب، ولكن ذلك لا ينافي أن للقرآن ظواهر يفهمها العارف باللغة وأساليبها، ويتعبد بما يظهر له بعد الفحص عن القرائن. 4 ـ العلم بإرادة خلاف الظاهر: إنا نعلم - إجمالا - بورود مخصصات لعمومات القرآن، ومقيدات لإطلاقاته، ونعلم بأن بعض ظواهر الكتاب غير مراد قطعا، وهذه العمومات المخصصة، والمطلقات
ــ[269]ــ
المقيدة، والظواهر غير المرادة ليست معلومة بعينها، ليتوقف فيها بخصوصها. ونتيجة هذا أن جميع ظواهر الكتاب وعموماته ومطلقاته تكون مجملة بالعرض، وإن لم تكن مجملة بالأصالة، فلا يجوز أن يعمل بها حذرا من الوقوع فيما يخالف الواقع. والجواب: إن هذا العلم الإجمالي إنما يكون سببا للمنع عن الأخذ بالظواهر، إذا أريد العمل بها قبل الفحص عن المراد، وأما بعد الفحص والحصول على المقدار الذي علم المكلف بوجوده إجمالا بين الظواهر، فلا محالة ينحل العلم الإجمالي، ويسقط عن التأثير، ويبقى العلم بالظواهر بلا مانع. ونظير هذا يجري في السنة أيضا، فإنا نعلم بورود مخصّصات لعموماتها ومقيدات لمطلقاتها، فلو كان العلم الإجمالي مانعا عن التمسك بالظواهر حتى بعد انحلاله لكان مانعا عن العمل بظواهر السنة أيضا، بل ولكان مانعا عن أجراء أصالة البراءة في الشبهات الحكمية، الوجوبية منها والتحريمية، فإن كل مكلف يعلم بوجود تكاليف إلزامية في الشريعة المقدسة، ولازم هذا العلم الإجمالي وجوب الاحتياط عليه في كل شبهة تحريمية، أو وجوبية يقع فيها مع أن الاحتياط ليس بواجب فيها يقينا. نعم ذهب جمع كثير من المحدثين إلى وجوب الاحتياط في موارد الشبهات التحريمية، إلا أن ذلك نشأ من توهمهم أن الروايات الآمرة بالتوقف أو الاحتياط تدل على وجوب الاحتياط والتوقف في موارد تلك الشبهات. وليس قولهم هذا ناشئا من العلم الإجمالي بوجود التكاليف الإلزامية في الشريعة المقدسة، وإلا لكان اللازم عليهم القول بوجوب الاحتياط حتى في الشبهات الوجوبية، مع أنه لم يذهب إلى وجوبه فيها أحد فيما نعلم. والسر في عدم وجوب الاحتياط في هذه الموارد وفي
ــ[270]ــ
أمثالها واحد، وهو أن العلم الإجمالي قد انحل بسبب الظفر بالمقدار المعلوم، وبعد انحلاله يسقط عن التأثير. ولتوضيح ذلك يراجع كتابنا "أجود التقريرات".
|