النسخ في الشريعة الاسلامية: لا خلاف بين المسلمين في وقوع النسخ، فإن كثيرا من أحكام الشرائع السابقة قد نسخت بأحكام الشريعة الإسلامية، وإن جملة من أحكام هذه الشريعة قد نسخت بأحكام أخرى من هذه الشريعة نفسها، فقد صرح القرآن الكريم بنسخ حكم التوجه في الصلاة إلى القبلة الأولى، وهذا مما لا ريب فيه. وإنما الكلام في أن يكون شيء من أحكام القرآن منسوخا بالقران، أو بالسنة القطعية، أو بالإجماع، أو بالعقل. وقبل الخوض في البحت عن هذه الجهة يحسن بنا أن نتكلم على أقسام النسخ، فقد قسموا النسخ في القرآن إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ نسخ التلاوة دون الحكم: وقد مثلوا لذلك بآية الرجم فقالوا: إن هذه الآية كانت من القرآن ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وقد قدمنا لك في بحث التحريف أن القول بنسخ التلاوة هو
ــ[284]ــ
نفس القول بالتحريف وأوضحنا أن مستند هذا القول أخبار آحاد وأن أخبار الآحاد لا أثر لها في أمثال هذا المقام. فقد أجمع المسلمون على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد كما أن القرآن لا يثبت به، والوجه في ذلك - مضافا إلى الإجماع - أن الأمور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس، وانتشار الخبر عنها على فرض وجودها لا تثبت بخبر الواحد فإن اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطئه، وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أن آية الرجم من القرآن، وانها قد نسخت تلاوتها، وبقي حكمها، نعم قد تقدم أن عمر أتى بآية الرجم وادعى انها من القرآن فلم يقبل قوله المسلمون، لأن نقل هذه الآية كان منحصرا به، ولم يثبتوها في المصاحف، فالتزم المتأخرون بأنها آية منسوخة التلاوة باقية الحكم.
|