احاديث العمل باية النجوى - سبب نسخ صدقة النجوى 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 8015

أحاديث العمل بآية النجوى:
روى ابن بابويه بإسناده عن مكحول قال:
"قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أنه ليس فيهم رجل له منقبة إلا قد شركته فيها وفضلته، ولي سبعون منقبة لم يشركني أحد منهم، قلت: يا أميرالمؤمنين فأخبرني بهن، فقال (عليه السلام): وإن أول منقبة ـ وذكر السبعين ـ وقال في ذلك: وأما الرابعة والعشرين فان الله عزوجل أنزل على رسوله: {اذا ناجيتم} فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا ناجيت رسول الله أتصدق قبل ذلك بدرهم، والله ما فعل هذا أحد غيري من أصحابه قبلي ولا بعدي فأنزل الله عزوجل: {أءاشفقتم…} (1).
وروى ابن جرير بإسناده عن مجاهد قال:
"قال علي (رضي الله عنه): آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار: 17 / 29، باب 14، رقم الحديث: 6. راجع تفسير البرهان: 2 / 1099.

ــ[374]ــ

دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي(صلى الله عليه وآله) تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي: إذا ناجيتم"(1).
قال الشوكاني: وأخرج عبدالرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي خاتم، وابن مردويه عنه - علي بن أبي طالب - قال:
"ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وما كانت إلا ساعة يعني آية النجوى".
وأخرج سعيد بن منصور، وابن راهويه، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه أيضا قال:
"إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى: {إذا ناجيتم...} كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلما ناجيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدمت بين يدي نجواي درهما، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت: {ءأشفقتم...}(2).
وتحقيق القول في ذلك:
أن الآية المباركة دلت على أن تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله) خير، وتطهير للنفوس، والأمر به أمر بما فيه مصلحة العباد. ودلت على أن هذا الحكم إنما يتوجه على من يجد ما يتصدق به، أما من لا يجد شيئا فإن الله غفور رحيم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الطبري: 28 / 15.
(2) فتح القدير: 5 / 186 والروايات في هذا المقام كثيرة فليراجع تفسير البرهان وتفسير الطبري وكتب الروايات. وقد تعرض لنقل جملة منها شيخنا المجلسي في بحار الأنوار: 17 / 29، باب 14، الحديث 6 و35 / 378، باب 18 رقم الحديث 3، و41 / 26، باب 102، الحديث 1.

ــ[375]ــ

ولا ريب في أن ذلك مما يستقل العقل بحسنه ويحكم الوجدان بصحته فان في الحكم المذكور نفعا للفقراء، لأنهم المستحقون للصدقات، وفيه تخفيف عن النبي (صلى الله عليه وآله) فانه يوجب قلة مناجاته من الناس، وأنه لا يقدم على مناجاته - بعد هذا الحكم - إلا من كان حبه لمناجاة الرسول أكثر من حبه للمال.
ولا ريب أيضا في أن حسن ذلك لا يختص بوقت دون وقت. ودلت الآية الثانية على أن عامة المسلمين ـ غير علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ أعرضوا عن مناجاة الرسول(صلى الله عليه وآله) إشفاقا من الصدقة، وحرصا على المال.
سبب نسخ صدقة النجوى:
ولا ريب في أن إعراضهم عن المناجاة يفوت عليهم كثيرا من المنافع والمصالح العامة. ومن أجل حفظ تلك المنافع رفع الله عنهم وجوب الصدقة بين يدي المناجاة تقديما للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وعلى النفع الخاص بالفقراء، وأمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله ورسوله.
وعلى ذلك فلا مناص من الالتزام بالنسخ، وأن الحكم المجعول بالآية الأولى قد نسخ وارتفع بالآية الثانية. ويكون هذا من القسم الأول من نسخ الكتاب - أعني ما كانت الآية الناسخة ناظرة إلى انتهاء أمد الحكم المذكور في الآية المنسوخة - ومع ذلك فنسخ الحكم المذكور في الآية الأولى ليس من جهة اختصاص المصلحة التي اقتضت جعله بزمان دون زمان إذ قد عرفت أنها عامة لجميع أزمنة حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا أن حرص الأمة على المال، وإشفاقها من تقديم الصدقة بين يدي المناجاة كان مانعا من استمرار الحكم المذكور ودوامه، فنسخ الوجوب وأبدل الحكم بالترخيص.

ــ[376]ــ

وقد يعترض:
أنه كيف جعل الله الحكم المذكور "وجوب التصدق بين يدي النجوى" مع علمه منذ الأزل بوقوع المانع!
والجواب:
ان في جعل هذا الحكم ثم نسخه - كما فعله الله سبحانه - تنبيها للامة، وإتماما للحجة عليهم. فقد ظهر لهم ولغيرهم بذلك أن الصحابة كلهم آثروا المال على مناجاة الرسول الأكرم، ولم يعمل بالحكم غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وترك المناجاة وإن لم يكن معصية لله سبحانه، لأن المناجاة بنفسها لم تكن واجبة، ووجوب الصدقة كان مشروطا بالنجوى، فإذا لم تحصل النجوى فلا وجوب للصدقة ولا معصية في ترك المناجاة، إلا أنه يدل على أن من ترك المناجاة يهتم بالمال أكثر من اهتمامه بها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net